الاثنين، 5 مايو 2014

اليأس من روح الله - اليأس الأُخروي

اليأس من روح الله - اليأس الأُخروي

توبه
من الذنوب الكبيرة اليأس من روح الله تعالى.

اليأس نوعان

الأوّل: اليأس الأُخروي
الثاني: اليأس الدنيوي
اليأس الأُخروي : بمعنى أن ييأس الإنسان من رحمة الله وغفرانه، قال تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الزمر:53).
إذا طالعنا الحالة النفسية عند الكثير من المجرمين والعاصين بعد ارتكابهم للذنب الكبير، نرى أن حالة من الألم والندم تصيبهم بحيث لا يتصورون بقاء طريق العودة مفتوحاً أمامهم، ويعتبرون أنفسهم ملوثين بشكل لا يمكن تطهيره، ويتساءلون: هل من الممكن أن تُغْفَرَ ذنوبنا؟ وهل أن الطريق إلى الله مفتوح أمامنا؟
هذه الآية تعطي الأمل في أنَّ طريق العودة والتوبة مفتوح أمامهم.

علاج اليأس الأخروي

هناك عدَّة أمور يمكن أن تكون علاجاً لحالة اليأس الأخروي:
1- باب التوبة مفتوح:
من المشاكل التي تقف عائقاً في طريق بعض المسائل التربوية هو احساس الإنسان بعقدة الذنب من جرَّاء الأعمال القبيحة السابقة التي ارتكبها، خاصة إذا كانت هذه الذنوب كبيرة، إذ أنَّ الذي يستحوذ على ذهن الإنسان إن أراد التوجه نحو الطَّهارة والتقوى والعودة إلى الله، كيف يتخلص من أعباء الذنوب الكبيرة السّابقة؟
التعاليم الإسلامية حلّت هذه المشكلة، عندما أفصحت عن أن التوبة والإنابة يمكن أن تكون أداةً قاطعةً وحاسمةً للإنفصال عن الماضي وبدء حياة جديدة، أو حتى يمكن أن تكون بمثابة ولادة جديدة للتائب، إذا تحققت بشرطها وشروطها.
ففي حديث عن الباقر عليه السلام: "التائب من الذنب كمن لا ذنب له، والمقيم على الذنب وهو مستغفر منه كالمستهزئ"1. ومن البديهي أنَّ هذه العودة لا يمكن أن تتم بدون قيد أو شرط، وأن البارئ تعالى حكيم ولا يفعل شيئاً عبثاً، فإذا كانت أبواب رحمته مفتوحةً أمام عباده، ودعوته إياهم للتوبة مستمرة، فإن وجود الاستعداد عند العباد أمرٌ لا بدَّ منه.
ومن جهة أخرى، يجب أن تكون عودة الإنسان صادقة، وأن تحدث انقلاباً وتغيراً في داخل ذاته.
من ناحية ثانية، يجب أن يبدأ الإنسان بعد توبته بإعمار وبناء أسس الإيمان والعقيدة التي كانت قد دُمرت بعواصف الذنوب.
ومن ناحية ثالثة، يجب أن يصلح الإنسان بالأعمال الصالحة عجزه الروحيَّ وسوء خلقه، فكلما كانت الذنوب السابقة كبيرة، عليه أن يقوم بأعمال صالحة أكثر وأكبر.
وهذا ما بينه القرآن الكريم في هذه الآيات:(وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ) (الزمر:54-55).
2- مكافحة روح اليأس من أهم آثار الشفاعة في نفس المعتقدين بها:
الإيمان بالشفاعة يفتح أمام الإنسان نافذة نحو النور، ويبعث فيه الأمل بالعفو والصفح، وهذا الأمل يجعله يسيطر على نفسه، ويعيد النظر في مسيرة حياته، بل ويشجعه على تلافي سيئات الماضي.
تحذير: بين الخوف والرجاء
صحيح أنَّ اليأس من رحمة الله من الكبائر، إلَّا أنَّ الأمن من مكر الله وعذابه أيضاً من الكبائر، وهذا ما يدعونا إلى تحذير الإنسان من كلا الأمرين، اليأس والأمن.
من هنا نرى القرآن الكريم يعتبر أن من صفات المۆمنين الخوف والرجاء من الله تعالى فلا يأمنون غضب الله تعالى، ولا ييأسون من رحمته، والتوازن بين الخوف والرجاء هو ضمان تكاملهم وسلوكهم في الطريق إلى الله تعالى، والحاكم على وجودهم دائم لأن غلبة الخوف تجر الإنسان إلى اليأس والقنوط، وغلبة الرجاء تغري الإنسان في الذنوب وتجعله في غفلة، وكلاهما عدوٌّ للإنسان في سيره التكاملي إلى الله تعالى.
يقول تعالى: (إِنَّمَا يُۆْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ * تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) (السجدة:15-16).
ومن هنا نرى القرآن الكريم يصف الله بالغفَّارية والقهَّارية:(قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ) (ص:65-66).
فالله سبحانه وتعالى كما أنه قهَّار شديد العقاب كذلك هو عزيز غفَّار رحيم، فكلمة قهَّار في الآية كي لا يغترَّ أحد بلطف الله ورحمته وغفَّاريته، ويظنَّ أنَّه يعيش في مأمن من قهر الله وغضبه، ولكي لا يغرق في مستنقع الذنوب.
كلمة غفَّار تعني كثير الغفران، بحيث أنَّ أبواب رحمته مفتوحة أمام المذنبين، إذاً على الإنسان أن لا ييأس ولا يأمن، وإلا كان متصفاً بصفات الخاسرين (إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) (يوسف:78).
(أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ) (الأعراف:97).وينبغي الحذر أيضاً من الفهم الخاطئ للتوبة والشفاعة وإلا لم تنفعا.
المصدر:

1- أصول الكافي، ج‏2، ص‏216، باب التوبة، الحديث 10.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق