الجمعة، 30 مايو 2014

الايام المناسبة لعقد الزواج

الهجرة والجهاد



الهجرة والجهاد


أولاً: ماذا نعني بالهجرة والجهاد؟

يقول الله تعالى في محكم كتابه: ﴿وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا1.

الهجرة والجهاد هما الركنان الأساسيان اللذان يستند إليهما الإسلام من الناحية الاجتماعية، وقد حرص القرآن الكريم على إحاطتهما بقدسية خاصة كلّما تحدّث عنهما، كما أنّه عظّم وقدّس درجة المهاجرين والمجاهدين أكبر تعظيم وتقديس.

الهجرة تعني التخلي عن البيت والأهل والوطن، والابتعاد عنهم والتوجّه إلى ديار الإيمان حفظاً للدِّين من الضَّياع. وفي الكثير من الآيات القرآنية نرى كلمتي الهجرة والجهاد قد ذكرتا معاً: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّ2.

في الصدر الأوّل للإسلام، كان المسلمون ينقسمون إلى قسمين هما: المهاجرون والأنصار، فالأنصار هم سكان المدينة - يثرب - الذين آووا ونصروا، والمهاجرون هم الذين هجروا ديارهم وقدموا إلى المدينة إنقاذاً لدينهم.

والهجرة هي كالجهاد، حكم غير ثابت في الشَّرع الإسلامي ولكنّه من أركانه الأساسية وأحكامه الحية، بمعنى أنّ من المحتمل أن تطرأ ظروف تصبح معها الهجرة واجباً شرعياً وفرضاً يجب على المسلم أداؤه.

ودفعاً لوقوع بعض الاشتباهات والتَّناقضات في فهم حكمي الجهاد والهجرة، نتعرّض هنا لبحث هذا الموضوع بشيءٍ من التّفصيل.

لقد ورد للهجرة وكذلك للجهاد تفسير آخر غير ما تقدم، فقد فسرت الهجرة بهجر المعاصي والذّنوب والابتعاد عنها؟! لو أخذنا بهذا التفسير لأصبح جميع التائبين في العالم مهاجرين، لأنّهم هجروا الذّنوب والمعاصي ونأوا عنها، أمثال فضيل بن غياض وبشر الحافي وغيرهما كثير.

نموذج "الفضيل بن عيّاض"
(فضيل بن عياض) كان في بدء أمره سارقاً، لاهياً، ثمّ تغيرت حاله، فهجر جميع الذّنوب وتاب إلى الله توبة نصوحاً، وأصبح بعدها من العلماء، فهو لم يتحوّل إلى رجل متق وحسب، بل أصبح أيضاً معلماً ومربياً للعديد من الناس، في حين كان في مطلع حياته لصّاً وقاطع طريق وشرساً ومؤذياً حتى ضجّ الناس منه ومن شرّه وأذاه. فضيل بن عياض هذا كان يهمّ مرّة كعادته بسرقة بيت، وعندما تسلق الجدار وهمَّ بالنزول إلى داخل البيت رأى رجلاً زاهداً عابداً يقوم الليل، يصلّي صلاته ويدعو ويقرأ القرآن، فسمع فضيل الرجل وهو يقرأ القرآن بصوت خاشع حزين، وكان أوّل ما طرق سمعه من قراءة الرجل قوله تعالى: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ3.

فضيل الذي سمع هذه الآية: وهو فوق الجدار، أحس وكأنّ الآية: أوحيت إليه هو، تخاطبه هو، فالآية: قد هزَّته بعنف، حتى قال: "اللَّهمَّ بلى... اللَّهمَّ بلى... لقد آن الأوان، وهذا هو"، فنزل عن الجدار، وهجر منذ ذلك الحين كلّ الذّنوب، فلا سرقة بعدها، ولا خمر ولا ميسر ولا غيرها من باقي الذّنوب التي كان مبتلى بها، ابتعد عنها بكل جهده... أرجع الحقوق التي كان قد اغتصبها إلى أصحابها، وأدّى ما عليه من حقوق الله، وجبر ما كان قد فات منه. إذن.. ففضيل هذا مهاجر أيضاً لأنّه هجر السيّئات وابتعد عنها.

نموذج بشر الحافيوفي عصر الإمام الكاظم عليه السلام كان في بغداد رجلٌ معروفٌ يُقال له بشر، وكان ممّن يشار إليه بالبنان. وحدث يوماً أن كان الإمام الكاظم عليه السلام مارّاً من أمام بيت بشر، فاتفق أن فتحت جارية باب الدار لإلقاء بعض الفضلات "قمامة" وحين رمت بها في الطريق سألها الإمام عليه السلام قائلاً: يا جارية! هل صاحب هذا الدار حرٌّ أم عبدٌ؟! فأجابته الجارية وهي مستغربة من سؤاله هذا وبشر رجل معروف بين الناس وقالت: بل هو حرّ. فقال الإمام عليه السلام:"صدقت لو كان عبداً لخاف من مولاه"4. الإمام عليه السلام قال هذه الكلمة وانصرف، فعادت الجارية إلى الدار وكان بشر جالساً إلى مائدة الخمر، فسألها: ما الذي أبطأك؟ فروت له ما دار بينها وبين الإمام عليه السلام، وسمع ما نقلته من قول الإمام عليه السلام: "صدقت، لو كان عبداً لخاف من مولاه" فهزّه هزّاً عنيفاً أيقظه من غفلته، وأيقظه من نومة الغفلة عن الله، ثمّ سأل بشر الجارية عن الوجهة التي توجَّه إليها الإمام، فأخبرته فانطلق يعدو خلفه، حتى أنّه نسي أن ينتعل حذاءه. في الطريق كان يحدث نفسه بأنّ هذا الرجل هو الإمام موسى بن جعفر عليه السلام، وفعلاً ذهب إلى منزل الإمام، فتاب على يده واعتذر وبكى ثمّ هوى على يدي وقدمي الإمام يقبّلها وهو يقول: سيّدي أريد من هذه الساعة أن أصبح عبداً ولكن عبداً لله، لا أريد هذه الحرية المذلة التي تأسر الإنسانيّة فيَّ، وتطلق العنان للشهوة الحيوانية، لا أريد حرية السعي وراء الجاه والمنصب، لا أريد حرية الخوض في مستنقع الذّنوب وأغدو أسيراً لها، لا أريد أن تؤسر فيَّ الفطرة السليمة والعقل السليم، من هذه الساعة أريد أن أصبح عبداً لله وحده، حراً تجاه غيره. وتاب بشر على يد الإمام الكاظم عليه السلام. ومنذ تلك اللحظة هجر الذّنوب ونأى عنها وأتلف كلّ وسائل الحرام، وأقبل على الطاعة والعبادة. إذن، بشر هذا هو مهاجر أيضاً لأنّ "المهاجر من هجر السيّئات".

ثانياً: جهاد النفس
ولهذا المنحى في تفسير الهجرة، شبيه في باب الجهاد أيضاً حيث إنّ "المجاهد من جاهد نفسه"5 والمجاهد هو من يجاهد النفس الأمّارة بالسوء وأهواءها الداخلية، ومعروف أنّ الصراع الداخلي موجود باستمرار، قائم بين النفس وأهوائها من جهة والعقل من جهة أخرى.

يقول أمير المؤمنين الإمام عليّ عليه السلام: "أشجع الناس من غلب هواه"6.

نموذج "بورياي ولي"هناك مثال آخر يوضح الشجاعة الحقيقية نستخلصه من القصة المعروفة التي حدثت لـ "بورياي ولي". وقد كان هذا من كبار أبطال المصارعة في العالم، وكان يعتبر نموذجاً للبطولة والرجولة والعرفان في آن واحد، يروى أنّ هذا البطل كان قد سافر مرة إلى إحدى المدن للتباري مع بطلها في المصارعة. وعُين موعد للمباراة، وذلك في ليلة الجمعة، وخلال تجواله في تلك المدينة، شاهد "بورياي ولي" امرأة عجوزاً كانت توزع الحلوى على الناس وتطلب منهم الدّعاء، ولم تكن تعرف "بورياي ولي" من قبل، فقدمت له الحلوى وسألته الدّعاء، ولكنّه سألها عن حاجتها ما هي؟ فقالت: "إنّ ابني هو بطل مدينتنا في المصارعة، وقد جاءنا منافس له من مدينة أخرى لمنازلته، وسيلتقيان خلال الأيام القليلة المقبلة، وأنا أخشى أن يخسر ولدي المباراة، فخسارته لا تعني انتكاسة شخصية له وحسب، بل تعني انقطاع مورد رزقنا الوحيد الذي يأتينا من الراتب الذي يقدم لولدي في هذه اللعبة، ولذلك فإنّ فشله في المباراة يعتبر تدميراً لحياتنا، وأنا امرأة عجوز لا أقوى على شيء. عندما سمع "بورياي ولي" حديث المرأة، قال لها: "اطمئني سأدعو لك" ثم استغرق هذا الرجل في التفكير مع نفسه محدثاً إيّاها عمّا سيفعله في المباراة "هل أصرعه إذا كنت أقوى منه أم لا؟" هنا تذكر هذا البطل مقولة إن: "أشجع الناس من غلب هواه". وفي اليوم المقرر للمباراة، صعد إلى الحلبة فوجد منافسه أضعف منه كثيراً ويستطيع أن يطرحه أرضاً بحركة واحدة، لكنّه ومن أجل أن يجعل المباراة تجري وكأنّها حقيقة - كي لا يفهم المشاهدون القرار الذي اتخذه بعد التغلب عليه - راح يكثر من الدوران ويطيل المصاولة والمجاولة مع منافسه ثم مكّنه بعد ذلك من أن يصرعه. وهنا يذكرون عن هذا البطل، أنّه وفي تلك اللحظة التي صُرع فيها، أحسَّ وكأنّ قلبه انفتح لله وكأنّه يرى بقلبه عالم الملكوت، هذا الرجل - لأنّه جاهد نفسه وانتصر عليها في تلك اللحظة - قد أصبح من أولياء الله، لماذا؟ لأنّ: "المجاهد من جاهد نفسه" ولأنّ: "أشجع الناس من غلب هواه" ولأنّه أظهر شجاعة فاق بها كلّ الأبطال7.

نموذج أمير المؤمنين علي عليه السلام وعمرو بن عبد ود العامريوأعظم من هذه الحادثة، قصة الإمام عليّ عليه السلام مع عمرو بن عبد ود، هذا البطل الذي كان يوصف بفارس يليل8، الفارس الذي يعدل ألفاً. في معركة الخندق كان عسكر المسلمين في جهة من الخندق وعسكر العدو في الجهة الثانية منه، بحيث لم يكن باستطاعة العدو أن يعبر إلى جهة المسلمين ورغم ذلك فقد تمكن نفر من الكفار - ومن بينهم عمرو بن عبد ود - من عبور الخندق بطريقة أو بأخرى، وأخذ عمرو يجول بفرسه وهو يصرخ: هل من مبارز؟! فلم يجرؤ أيّ من المسلمين على الخروج له وهم يعرفون من هو عمرو وماذا تعني مبارزته، فقال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: من له؟ فسكت الجميع إلّا علياً إذ نهض وقال: أنا له يا نبي الله، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّه عمرو اجلس! فنادى عمرو ثانية: ألا من رجل؟ ثمّ أخذ يلومهم ويقول: أين جنّتكم التي تزعمون أنّ من قتل منكم دخلها؟ فلم يجب إلّا عليّ إذ نهض وقال: أنا له يا رسول الله، فأجابه الرسول بمثل ما أجابه في المرّة الأولى، فنادى عمرو ثالثة فلم يجبه أحدٌ أيضاً غير الإمام عليّ عليه السلام إذ نهض وقال: يا رسول الله أنا له، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّه عمرو"، فقال عليه السلام: "وإن كان عمراً"، فاستأذن رسول الله فأذن له وخرج عليه السلام إلى عمرو. وخلاصة الحدث، أنَّ علياً عليه السلام يطرح بطل الأبطال على الأرض ويجلس على صدره ليحتزّ رأسه وهنا يبصق عمرو في وجه عليّ عليه السلام، فيقوم الإمام عليه السلام من فوق صدره، ويأخذ بالسير بهدوء بالقرب منه وبعد فترة يعود فيجلس مرّة أخرى على صدره ويهم بقطع رأسه فيسأله عمرو عن سبب قيامه عليه السلام أوّلاً ثمّ عودته ثانية، فما كان جواب الإمام عليه السلام؟! لقد غضب الإمام عندما بصق اللعين في وجهه الشريف، وهنا تركه خشية من أنّه إن قتله وهو غاضب فقد يحتمل أن يكون ذلك غضباً لنفسه لا لله، فقام عنه حتَّى هدأ عليه السلام وعاد فقتله لله تعالى لا لغيره9.

الهجرة تعني ترك الذنوب وخلاصة ما تقدّم أنّ المعنى الآخر للهجرة هو ترك الذّنوب والمعاصي، والمعنى الآخر للجهاد هو مجاهدة النفس وأهوائها، فهل - يا ترى - هذا التَّفسير صحيح أم لا؟! الجواب هو أنَّه صحيح بحدِّ ذاته ولكن قد أسيء فهمه وفهم بصورة خاطئة، فمقولتا: "المهاجر من هجر السيّئات، والمجاهد من جاهد نفسه" واردتان في أحاديث المعصومين عليهم السلام. إنّ النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم يصف جهاد النفس بأنّه "الجهاد الأكبر"، لكن الخطأ في الفهم والانحراف في التفسير، قد وقع عندما لجأ البعض إلى إلغاء المعنى الأوّل للهجرة  والجهاد وذلك باحتجاجهم في أنّ معنى الهجرة ترك الذّنوب وإنّ معنى الجهاد مجاهدة النفس فلا حاجة إذن لأن نترك الأهل والديار عند اقتضاء الضرورة، ونتغرب في البلدان، بل بدلاً من ذلك نجلس في بيوتنا ونهجر الذّنوب فنصبح بذلك مهاجرين، ويقول البعض الآخر: إنّه ما دام الجهاد هو مجاهدة النفس، إذن فلا ضرورة للسَّير إلى محاربة أعداء الإسلام، وبدلاً من أن نتحمل مصاعب ذلك، نجلس في بيوتنا وننشغل في مجاهدة أنفسنا وهذا هو - في نظرهم - الجهاد في سبيل الله بل هو أعظم من سابقه لأنّه الجهاد الأكبر وذاك هو الجهاد الأصغر.

إذن فقد اتخذ تفسير الهجرة بترك الذّنوب ذريعة لإلغاء الهجرة بالمعنى الأوّل، واتخذ تفسير الجهاد بجهاد النفس ذريعة لإلغاء الجهاد بالمعنى الأوّل. وهذا هو الانحراف في الفهم، لأنّ في الإسلام هجرتين لا هجرة واحدة، ونوعين من الجهاد لا نوعاً واحداً، وإلغاء أيّ من الهجرتين - نوعي الهجرة - بالتذرع بالنوع الآخر، أو إلغاء أيّ من نوعي الجهاد بالتذرع بالآخر، كل ذلك يعني انحرافاً عن الإسلام وتعاليمه.

ثالثاً: دور الجهاد والهجرة في تربية الإنسان
إنّ قادتنا الدينيين - الرسول الأكرم، الإمام علي عليه السلام والأئمّة الأطهار - كانوا جميعاً مهاجرين في سبيل الله، بكلا الهجرتين، وكانوا عليهم السلام مجاهدين في سبيل الله بكلا الجهادين. وإذا نظرنا إلى الموضوع من الناحية المعنويّة، وجدنا هناك درجات لا يمكن الوصول إليها إلّا عبر المرور بكلتا الهجرتين أو الجهادين، فلا يمكن بحال أن يحصل الإنسان على درجة المجاهد وهو لم ير ساحة الجهاد أصلاً، كما لا يمكن له أن يحصل على درجة المهاجر وهو لم يهاجر بالمعنى الظاهر- المعنى الأوّل - وهذه هي سُنّة الله في خلقه للإنسان، إذ جعل نضجه وتكامله ورقيه مرهونة باجتياز دورات تربوية خاصة، فالزواج مثلاً يعتبر من وجهة نظر الإسلام عملاً مقدّساً من عدّة وجوه "على العكس من المسيحية المعاصرة التي تعتبر العزوبة عملاً مقدّساً"، فلماذا يعتبر الإسلام الزواج عملاً مقدّساً؟!.. إنّ سرّ الاهتمام بهذا الأمر هو تأثيره المهم في تربية روح الإنسان، فلروح الإنسان خاصية التكامل والرقي والنضج ولا يمكن أن تحصل عليها إلّا بالزواج، أي لو ظلّ الرجل أعزب إلى آخر عمره أو لو ظلّت المرأة عزباء إلى آخر عمرها، فسيبقى هناك نقص في تكامل روحيهما، سببه فقدان الأثر التربوي للزواج ولا يسدّ ذلك النقص حتى لو أنّهما قضيا العمر في العبادة، والرياضات ومجاهدة النفس، فالإسلام اعتبر الزواج سُنّة من سننه، وأحد أسرار ذلك التأثير الذي يتركه الزواج في تربية الإنسان وتكامله. فكل عامل من العوامل المؤثرة والمشتركة في تربية الإنسان ينحصر أثره في موقعه الخاص به، ولا يمكن لأي عامل آخر أن يحل محلّه إذا فقد ويحدث نفس تأثيره التربوي، كما أنّه لن يستطيع أن يحل محل أيّ من العوامل الأخرى.

والهجرة والجهاد هما أيضاً من العوامل التي تشترك في تربية الإنسان وتكامله ولذلك فلا يمكن أن يحل محلهما أي من العوامل الأخرى. فالجهاد مع النفس له موقعه، وكذلك الهجرة عن السيّئات، لكن الهجرة العملية عامل تربوي لا يمكن للهجرة بالمعنى الثاني - الهجرة عن السيّئات - أن تحلّ محله. وكذلك حال الجهاد والقتال ضد أعداء الله فلا يمكن أن يحلّ محلّه جهاد النفس. والعكس صحيح أيضاً، فكلاهما يضعهما الإسلام في صف واحد ويعتبرهما من عوامل التربية الإسلامية.

رابعاً: الظروف الموضوعية للجهاد والهجرة
وهنا يبرز سؤال مهم يقول: إنّ الظروف الموضوعية التي يعيشها الفرد المسلم متباينة ولا تقتضي جميعها من الفرد المسلم أن يهاجر أو يجاهد أعداء الله، فماذا سيكون موقفه آنذاك خصوصاً بعد أن عرفنا الأثر التربوي المهم للهجرة والجهاد؟!

يجيب الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم عن هذا التساؤل بأنّ واجب المفرد المسلم في هذه الحال، هو أن يكون في قلبه عزم صادق ونيّة مخلصة بأن يهاجر أو يجاهد أعداء الله، في أيّ وقت تتطلب الظروف الموضوعية الهجرة أو الجهاد. ومع توافر النيّة المخلصة والعزم الصادق لدى الفرد المسلم، يصل بذلك إلى درجة المهاجرين والمجاهدين حقاً. وهذا  الجواب النبوي يمكن استخلاصه من قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "من لم يغز ولم يحدِّث نفسه بغزو، مات على شعبة من النفاق"10.

والقرآن الكريم يقول: ﴿لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمً11.

ونلاحظ من النص القرآني أنّه لا يدخل المتخلفين ضمن حديثه عن القاعدين فهم غير منظور إليهم هنا، وإنّما حديثه هنا، عن القاعدين بعذر شرعي (هو وجود من به الكفاية من المجاهدين) فيقول: إنّ هؤلاء المجاهدين هم أعلى درجة وفضلاً وأجراً من القاعدين بعذر شرعي وهو وجود العدد الكافي من المجاهدين، ولكن في الوقت نفسه يؤكد النص أنّ هذا التفضيل لا يشمل أولي الضرر من القاعدين أي القادرين على الجهاد والمعذورين بسبب الأمراض المختلفة التي تعوقهم عن الجهاد - كفاقدي البصر، والمشلولين عن الحركة والمرضى الذين أقعدهم المرض فلا ينفي القرآن الكريم أنّ لهؤلاء فضلاً، ومن الممكن أن يصلوا إلى درجة المجاهدين، بل ويسبقوا الآخرين في ذلك، لو كان في قلوبهم عزم صادق ونيّة حقيقية، بأنّ لو زالت عنهم تلك العوائق لذهبوا إلى الجهاد في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم. وهذه القاعدة صحيحة عند توافر شروطها.

قال رجل لأمير المؤمنين الإمام عليّ عليه السلام وهو في طريق عودته من صفين12: "يا أمير المؤمنين إنّ لي أخاً كم تمنيت أن يحضر معنا صفين في معسكرك فينال صحبتك" فماذا كان جواب الإمام علي عليه السلام ؟! لقد سأل عليه السلام الرجل عن نيّة أخيه ما هي، وماذا في قلبه، وعلام عزمه، هل كان لديه عذر منعه من الحضور أم لم يكن لديه عذر؟!

ثمّ يحدد الإمام عليه السلام الأجوبة الدقيقة عن كل تلك الاحتمالات، فإذا لم يكن معذوراً ولم يأت فعدم مجيئه خير لنا من مجيئه13، وإن كان معذوراً وقلبه معنا وعزمه أن يلحق بنا لو استطاع فهو معنا، فأجاب الرجل إنّه كذلك يا أمير المؤمنين فأجابه الإمام عليه السلام: ليس أخوك وحده كان معنا بل ورجال آخرون ما زالوا في أرحام أُمّهاتهم بل وفي أصلاب آبائهم، فهذا حكم ثابت فكلّ شخص وحتى يوم القيامة إذا وُجد وكان في قلبه عزم صادق أنّه لو أدرك علياً في صفين لنصره فهو مع علي ويعتبر من أنصار علي وجيش علي في صفين وإن لم يحضر صفين بل ولم يعاصرها.

خامساً: انتظار الفرج
ماذا يعني انتظار الظهور؟وماذا يعني نص "أفضل الأعمال انتظار الفرج"؟ البعض يتوهّم ويظنّ أنّ "انتظار الفرج" وهو أفضل الأعمال يعني أن ننتظر ظهور إمام العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف مع جمع من خواص أصحابه وأنصاره وعدتهم "313" رجلاً ومعهم جمع آخر من غير الخواص، فيحاربون أعداء الإسلام ويطهرون الأرض من دنسهم، ويقيمون العدل والأمن في البلاد ويوفرون الرفاه والحرية بأكمل صورهما، بعد ذلك يقولون لنا: تفضلوا! البعض يتوهّم أنّ انتظار الفرج هو هذا، ويصفونه بأنّه أفضل الأعمال. ولكن الانتظار الحقيقي للفرج، هو بانتظارنا ظهور الإمام عليه السلام للانخراط في جيشه والقتال تحت إمرته حتى ولو استشهدنا في هذا القتال. الانتظار الحقيقي هو أن يكون أمل الإنسان كله وكل أمانيه حقاً الجهاد في سبيل الله، وليس الانتظار حتى يأتي الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف فتقول له: اذهب أنت وحدك فأنجز كلّ المهام الشاقة، وعندما يحين وقت جني الثمار سنأتي نحن، هذا هو منطق أصحاب موسى، أما أصحاب محمّد فقد قالوا له: يا رسول الله! لا نقول لك ما قاله لموسى بنو إسرائيل، أصحاب موسى عندما وصلوا إلى فلسطين - بيت المقدس - ورأوا فيها جنداً متأهبين قالوا لموسى: ﴿فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ14، كان هذا هو منطق أصحاب موسى، اذهب أنت وربك فقاتلا وطهرا فلسطين من دنس الأعداء، وسنأتي نحن بعد أن نطمئن إلى أنّه لم يبق خطر فيها. إنّ موسى عليه السلام قد سألهم مستنكراً: فما هو واجبكم إذن؟ عليكم أنتم أيضاً أن تخرجوا من دياركم الغاصب الذي أخرجكم منها، أما أصحاب النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أمثال المقداد، فما كان قولهم كهذا، وإنّما قالوا: "لقد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أنّ ما جئت به هو الحق وأعطيناك مواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أردت فنحن معك، فوالذي بعثك بالحقّ لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلّف منّا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً"15.

إذن فالانتظار الحقيقي للفرج هو أن يترسخ في قلوبنا عزم صادق ونيّة حقيقية وأمل بأن نوفق لأن نكون في جيش إمام العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف فنشارك معه في إصلاح الدّنيا.

نموذج الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه"يا ليتنا كنّا معك فنفوز فوزاً عظيماً". هذه الجملة كثيراً ما نرددها ونخاطب بها أبا عبد الله عليه السلام. ولكن هل يا ترى ننتبه حقاً إلى معناها؟ إنّ معناها، هو أنْ يا أبا عبد الله يا ليتنا كنّا معك فنستشهد بين يديك وتحت رايتك وبذلك نفوز فوزاً عظيماً. فهل هذا التمني مجرد قول أم أنّه يعبّر عن صدق نيّة ورغبة حقيقية؟! هناك من يطلق هذه العبارة بصدق وعقيدة، لكن أكثرنا يقرأها في الزيارة ولا تتعدى لقلقة اللسان.

وعندما اقترب وقت الظُّهر وفيه صلى الحسين عليه السلام يوم عاشوراء آخر صلاة له في هذه الدنيا وقد استشهد معظم أصحابه. إذ في هذا اليوم، قبل الظهر، وعند حلوله لم يكن قد بقي إلّا الحسين عليه السلام وأهل بيته ونفر من أصحابه، إذ استشهد القسم الأكبر منهم قبل ذلك في أثناء التراشق المتبادل للسهام - حرب الرماة -. كان جيش أبي عبد الله لا يزيد على اثنين وسبعين رجلاً، لكن هذا الجيش الصغير كان يتمتع بمعنويات عالية، وشجاعة منقطعة النظير، الإمام الحسين عليه السلام كان يأبى ويأنف من أن تظهر عليه أدنى إمارات الضعف والانكسار، كذلك نظم جيشه تنظيماً حربياً، جعل لهؤلاء الاثنين والسبعين قلباً وميمنة وميسرة كأي جيش نظامي آخر، فكان زهير بن القين على الميمنة وحبيب بن مظاهر على الميسرة وعقد راية جيشه لأخيه أبي الفضل العباس عليه السلام الذي أصبح منذ ذلك اليوم يلقب بحامل لواء الحسين عليه السلام.

أصحاب أبي عبد الله كانوا يتلهفون لبدء القتال، لكن الإمام عليه السلام كان يأبى ويصرّ على أن لا يقاتل حتى يبدأهم الأعداء بالقتال، وأما قصة بدء القتال فكانت على يد عمر بن سعد.

إنّ عمر بن سعد كان يريد أن يجمع الدّين والدّنيا معاً، الله والمادة معاً. كان يريد أن يحصل على ملك الري من ابن زياد، ولكن دون أن يلطخ يديه بدم الحسين عليه السلام ويسبب هذا الصراع الذي كان يعانيه مع نفسه. أرسل ابن سعد الرسائل المتوالية سعياً لتجنب القتال مع الحسين عليه السلام. وعندما علم ابن زياد بهذه المساعي، أرسل إلى ابن سعد رسالة شديدة اللهجة، عنّفه فيها وأمره أن يحسم الأمر سريعاً بقتل الحسين عليه السلام وهدده بأنّه سيعزله وينصب غيره إن لم يفعل. لم يستطع عمر بن سعد أن يتخلص من عبودية الدّنيا، وإذ تردّد الأمر بينها وبين الدّين باع دينه طمعاً بالدّنيا، فقال سمعاً وطاعة لأمر ابن زياد، فأظهر الكثير من الضعة والخسّة والغدر وارتكب أفظع الجرائم التي عرفها التاريخ. ويعلل ابن سعد ارتكابه لقسم من تلك الجرائم بأنّه كان يسعى من أجل أن ينفي عن نفسه تهمة الانحياز إلى الإمام الحسين عليه السلام، ومن أجل أن يؤكد لابن زياد إخلاصه وولاءه له بعد أن وصلت لابن زياد رسائل تتهم ابن سعد بالتردّد في قتال الإمام عليه السلام والميل إليه، ونفياً لهذه التهمة أقدم ابن سعد على ارتكاب سلسلة من الجرائم بحق آل الرسول تملقاً لابن زياد، فأمر فرقة الرماة بالاستعداد بعد أن تقابل الجيشان، فاستعد الرماة وأخذ ابن سعد سهماً وأطلقه نحو خيام الإمام الحسين عليه السلام وقال: "اشهدوا لي عند الأمير إنّي أوّل من رمى"16.

هذه هي قصة أوّل سهم أُطلق في واقعة الطف. وأنا كلّما وصلت إلى هذا المقطع من واقعة الطف في كربلاء تذكرت قولاً لصديقنا وصديقكم العزيز العالم الكبير المرحوم (آيتي)، فلقد سمعت منه أو قرأت له أنّ واقعة الطف بدأت بسهم وختمت بسهم، لقد بدأت بسهم عمر بن سعد فهل تعرفون السهم الذي ختمت به، أي الذي أنهى القتال بين الطرفين؟ لقد كان ذلك عندما وقف سيّد الشهداء وحده في الميدان وقد تعب من كثرة القتال وأخذ منه العطش مأخذاً عظيماً، ثم كان أن أصابته حجارة رماها أحد الأوغاد نحوه، فأصابت جبهته المباركة وسال منها الدم الزاكي فلما رفع الإمام ثوبه يمسح جبينه أتاه سهم مثلث مسموم فأصاب قلبه فختم بذلك جهاد سيّد الشهداء، ولم يعد الإمام يذكر شيئاً ولم يعد يخاطب إلّا ربّه قائلاً: "بسم الله وبالله وعلى ملّة رسول الله"17.

كان عابس بن شبيب الشاكري رجلاً من أصحاب الحسين عليه السلام، قد ملأت كيانه روح الشجاعة والبطولة الحسينية، فوقف في وسط الميدان يدعو جيش بني أميّة للمبارزة، فلم يجرؤ أي منهم على تحدي هذا الليث الغاضب، وبعد تكرار الدعوة لهم، وجد عابس أنّ لامة حربه تعيقه عن الحركة ومهاجمة أعداء الله، فخلعها كلها - درعه خوذته وغيرهما - وعاد إلى الميدان يهاجم أعداء الإسلام، فلم يجرؤ أحد على الوقوف في طريقه، وما استطاعوا قتله إلّا برميه بوابل من الحجارة والسهام فاستشهد بهذا الأسلوب الوحشي. ولقد رسم جميع أصحاب أبي عبد الله عليه السلام في يوم الطف أروع صور البطولة والفداء، رجالاً ونساءً، وزينوا تاريخ البشرية بلوحات مدهشة وصفحات مشرقة ليس لها نظير. ولو كانت قد وجدت مثل هذه الصور البطولية المشرقة في تاريخ الغرب، لرأيت كيف يعظمونها ويصنعون منها نماذج مشرقة.

وعبد الله بن عمير الكلبي رجل آخر من أصحاب الحسين عليه السلام كان قد اصطحب معه إلى كربلاء زوجته ووالدته، وقد كان من الأبطال البارزين، وعندما أراد النزول إلى الميدان في يوم عاشوراء، اعترضته زوجته وقالت له: إلى من تتركني وعند من تودعني - وكان جديد عهد بالزواج منها - ثم أردفت قائلة: "بالله لا تفجعني في نفسك". وما أن سمعت أُمّه  ول زوجته حتى خاطبته: "يا بنيَّ لا تسمع لقولها. اذهب وقاتل بين يدي ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليكون غداً في القيامة شفيعك، ولا أرضى عنك حتى تقتل بين يدي الحسين عليه السلام". فرجع وقاتل حتى استشهد فأخذت أُمّه عمود الخيمة وهاجمت الأعداء، فردّها الحسين عليه السلام وقال: "جزيتم من أهل بيت خيراً ارجعي إلى النساء يرحمك الله فقد وضع عنك الجهاد". ويرتكب الأعداء جريمة بشعة جديدة إذ يقطعون رأس عبد الله ويرمون به صوب أُمّه فتأخذه وتمسح التراب عنه وتقبِّله وتحتضنه وتخاطبه بقولها: "قد رضيت عنك بنيّ قد رضيت" ثم ترميه إلى معسكر الأعداء وهي تقول: ما قدمنا في سبيل الله فلن نسترجعه.

ومن الأنصار الآخرين الذين استأذنوا الحسين عليه السلام في الخروج للقتال، صبي ابن عشرة أعوام أو اثني عشر عاماً، كان أبوه قد قتل في المعركة، وقد شدّ الصبي حمائل سيفه، طالباً الإذن بالقتال لكن الإمام الحسين عليه السلام لم يأذن له بالقتال رأفة بأُمّه التي فجعت بزوجها منذ قليل فقال عليه السلام: "هذا غلام قتل أبوه في الحملة الأولى ولعلَّ أُمّه تكره ذلك" فأجابه الغلام مؤكّداً رضا والدته بقتاله دون الحسين وعدم رضاها بغير ذلك. فقال: "إنّ أُمّي هي التي أمرتني وقالت لا أرضى عنك حتى تقتل دون الحسين".

هذا الصبي امتاز بأدب رفيع وخلق عال وقد ضرب في يوم الطف مثلاً رائعاً في الرفعة والسمو امتاز بهما على الجميع، إذ إنَّ كل من كان يبرز إلى ميدان القتال من أصحاب الحسين عليه السلام كان يعرّف نفسه رجزاً أو خطابة وهذا أمر تعارفت عليه العرب، وكان من يرتجز أو يتحدث يذكر - عادة - اسمه واسم أبيه وعشيرته، ولكن هذا الصبي لم يفعل ذلك، ولم يذكر اسمه أو اسم أبيه وعشيرته، بل ظل مجهولاً في التاريخ، وأرباب المقاتل لم يذكروا ابن أي من الأصحاب هو، ولم يكتبوا في تعريفه سوى "وخرج غلام قتل أبوه في المعركة"، فلماذا لم يعرف؟ ألم يرتجز ويعرف نفسه عندما برز القتال؟ بلى فعل ذلك، وأنشد رجزاً أبدع فيه كل الإبداع وبطريقة تفرَّد بها ولم يسبقه أو يلحقه فيها أحد. لقد ارتجز قائلاً:
"أميري حسين ونعم الأمير***سرور فؤادي البشير النذير
عليٌّ وفاطمة والداه *** فهل تعلمون له من نظير"


بهذا الرجز لا أكثر، عرَّف نفسه للعالم فلم يعرف نفسه بذكر اسمه والافتخار بأبيه وجده وعشيرته، ولم يعرّف نفسه بالافتخار بأبيه وجده وعشيرته، بل عرَّف نفسه بالافتخار بأنّه من جند الحسين عليه السلام وأنّ أميره الحسين وكفى.
* كتاب الجهاد والشهادة، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.

1- سورة النساء، الآية: 100.
2- سورة الأنفال، الآية: 74.
3- سورة الحديد، الآية: 16.
4- عندما فتحت الجارية الباب كانت أصوات الغناء والعيدان تصل إلى الشارع من داخل دار بشر وسمعها الإمام عليه السلام.
5- الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج11، ص 124.
6- نهج البلاغة، وللإمام عليّ عليه السلام حكمة بالغة توضح هذا المعنى إذ يقول عليه السلام: "ما ظفر من ظفر الإثم به، والغالب بالشرّ مغلوب". نهج البلاغة، ص 533 (تحقيق صبحي الصالح).
7- وممّا يؤسف له أنّ هذه المعنويات فقدت بين رياضيي هذا العصر، ففي السابق كان الرياضيون يرون في الإمام علي عليه السلام النموذج الأكمل للبطل، لأنّه عليه السلام كان بطلاً على كلا الجبهتين، جبهة الصراع مع أعداء الله في ميادين الحرب، وجبهة الصراع مع النفس الأمّارة بالسوء وأهوائها.
القوّة الحقيقية والبطولة المثلى لا يمكن أن تحقّق إلّا إذا تحرر الإنسان من عبودية الهوى والشهوة، أي إنّ البطل والشجاع حقّاً من لا يتصدى لأعراض الناس، لأنّ روح الشجاعة الحقّة تمنعه من ذلك، وهو لا يزني لأنّ روح الشجاعة والبطولة لا تسمح له بذلك، وهو لا يشرب الخمر لأنّ روح الشجاعة ترفض ذلك.
والبطل القوي والشجاع، لا يكذب، فالشجاعة تأبى أن تكون حليف الكاذب، والشجاع لا يتملق فالملق ضدّ الشجاعة والقوّة.
فالبطل الحقيقي، ليس ذلك الذي يقدر على رفع ثقل كبير أو صخرة ضخمة بل الأهم هو أن يقدر على هوى نفسه وينتصر عليها.
8- وسبب تسميته بهذا الاسم هو أنّه كان مقبلاً في ركب من قريش حتى إذا وصلوا إلى وادي يليل - وهو واد قريب من بدر - تعرضت لهم بنو بكر في عدد من الفرسان. فقال عمرو بن عبد ود لأصحابه: أمضوا، فمضوا، وتصدى وحده لبني بكر ومنعهم من أن يصلوا إليه فعرف بذلك".
تفسير الميزان: ج 16، ص 197 في تفسير سورة الأحزاب".
9- الرواية التي وجدناها ينقلها المجلسي في البحار: ج 41، ص 51.
وفيها: "إنّه لما أدرك عمرو بن عبد ود، لم يضربه. فوقعوا في عليّ عليه السلام - ويقصد أنّ أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم انتقدوا علياً بسبب تركه الإجهاز على عمرو - فردّ عنه حذيفة فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: مه يا حذيفة فإنّ علياً سيذكر سبب وقفته. ثمّ إنّه ضربه - أي إنّ الإمام قتل عمراً - فلما عاد عليه السلام، سأله النبي عن ذلك - التأخير في قتل عمرو - فقال عليه السلام: "لقد كان - عمرو - شتم أمّي وتفل في وجهي، فخشيت أن أضربه لحظ نفسي - غضباً لها - فتركته حتى سكن ما بي ثمّ قتلته في الله".
- ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب، ج1، ص381.
10- صحيح مسلم: ج3، ص1517، وص1910.
11- سورة النساء، الآية: 95.
12- الرواية التي وجدنا في نهج البلاغة تذكر أنّ هذا الحوار حدث أثناء عودة الإمام من البصرة بعد أن نصره الله على أصحاب الجمل لا بعد عودته من صفين كما ذكر الأستاذ الشهيد ونحن إذ ذكرنا الترجمة التوضيحية للنص كما ذكرها الشيخ الشهيد، نثبت هذا الذي وجدناه في النهج: ومن كلام له عليه السلام: "لما أظفره الله بأصحاب الجمل، وقد قال له بعض أصحابه: وددت أنّ أخي فلاناً كان شاهدنا ليرى ما نصرك الله به على أعدائك" فقال له عليه السلام: "أهوى أخيك معنا؟ فقال: نعم، قال عليه السلام: فقد شهدنا، ولقد شهدنا في عسكرنا هذا أقوام في أصلاب الرجال وأرحام النساء، سيرعف - يجود بهم عن غير انتظار - بهم الزمان ويقوى بهم الإيمان". - نهج البلاغة، ج1، ص55.
13- ﴿وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ * لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ﴾. سورة التوبة، الآيتان: 46 و47.
هذا بالنسبة للطائفة الأولى. أما بالنسبة للطائفة الثانية التي يذكرها الإمام عليه السلام فيتلطف القرآن الكريم في وصفهم فيقول في سياق الآيات السابقة.
﴿لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّواْ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ﴾. سورة التوبة، الآيتان: 91 و 92.
عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال لما رجع من غزوة تبوك وعند اقترابه من المدينة: "إنّ بالمدينة لقوماً، ما سرتم من مسير ولا قطعتم وادياً إلّا كانوا معكم فيه" قالوا يا رسول الله وهم بالمدينة؟ قال عليه السلام: "وهم بالمدينة، حبسهم العذر".  - سُنن ابن ماجة، ج 2، ص923.
14- سورة المائدة، الآية: 24.
15- القول لسعد بن معاذ وقد قاله جواباً للرسول صلى الله عليه وآله وسلم الذي استشار الأنصار في الخروج إلى المشركين في معركة بدر، تجده في السيرة النبوية لابن هشام، ج2، ص448.
16- جدير بالذكر أنّ أباه سعد بن أبي وقاص كان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن الرماة المشهورين بين العرب بالمهارة وقد أبلى في الحروب الإسلامية بلاءً حسناً وقدّم خدمات جليلة للإسلام في هذا المضمار.
17- جلاء العيون للسيّد عبد الله شبر، وقد اعتمدنا عليه في ضبط النصوص المتعلقة بواقعة الطف في المحاضرات الثلاث.

الثلاثاء، 27 مايو 2014

ابطال اسحار بأسرار سماحة المقدس طوال العمر 72141 القيمة الكلية 274877979085 قيمة البرمجة الاصفار الاربعة الثانية للقيمة الكلية مجيب حليم الحكم يا الله الحكم يا الله يا وكيل حليم حليم مجيب الحاصل عمل ملف ميديا المعادلة 1114 × 11 مرة

ابطال اسحار بأسرار سماحة المقدس طوال العمر

72141 القيمة الكلية
274877979085 قيمة البرمجة الاصفار الاربعة الثانية للقيمة الكلية
مجيب حليم الحكم يا الله الحكم يا الله يا وكيل حليم حليم مجيب
الحاصل عمل ملف ميديا
المعادلة 1114 × 11 مرة
ابطال سحر الزوج والزوجة 1114
ايها الارواح الطاهرة المطهرة المطيعة لله رب
العالمين وعميدها سماحة المقدس عميد الولاية التكوينية قدس الله سره في السماوات والارضيين
ابطال سحر السحرة وكيد الفجرة ما بين الزوجين
    1114
ابطال شامل كامل وجعل محيط دائرتهما سد منيع امام كل
شياطين الارض من جن وانس سدا منيعا وصول الاسحار اليهما مستقبلا .. الا ما سمعتم ايتها
الارواح الطاهرة المقدسة  واطعتم وتوكلتم في طاعة عميدكم وابطال ما مطلوب وزيادة قدرة السد
حماية للمحبة ما بينهما وزيادة العشق بديل المزاح بالأسحار الملعونة بارك الله بكم وعليكم
الطاعة الطاعة الواحا الواحا العجل العجل
عزمت عليكم اسرار

هُوَ يأَهُوَ الحَكَمَ هُوَ الله وَكِيل عَلَّي مَجَّيْب حَلِيم عَلَّي عَلَّي مَجَّيْب يا هُوَ يا هُوَ هُوَ هُوَ يا هُوَ يا الله يا وَكِيل يا عَلَّي يا عَلَّي  هُوَ يا الله وَكِيل عَلَّي عَلَّي عَلَّي مَجَّيْب الله حَلِيم عَلَّي يا هُوَ يا هُوَ عَلَّي عَلَّي هُوَ يا هُوَ يا الله يا وَكِيل يا الله وَكِيل الله وَكِيل عَلَّي يا عَلَّي مَجَّيْب هُوَ يا هُوَ مَجَّيْب هُوَ هُوَ الله وَكِيل هُوَ عَلَّي عَلَّي الله هُوَ حَلِيم هُوَ الله وَكِيل الحَكَمَ هُوَ مَجَّيْب عَلَّي عَلَّي مَجَّيْب هُوَ الله وَكِيل يا الله وَكِيل الحَكَمَ مَجَّيْب عَلَّي عَلَّي مَجَّيْب الله وَكِيل الله وَكِيل مَجَّيْب عَلَّي عَلَّي يا هُوَ هُوَ الله وَكِيل حَلِيم حَلِيم هُوَ الله وَكِيل يا الله وَكِيل عَلَّي يا الله يا وَكِيل الله حَلِيم حَلِيم يا الله وَكِيل عَلَّي يا هُوَ يا هُوَ مَجَّيْب هُوَ عَلَّي مَجَّيْب يا الله وَكِيل هُوَ حَلِيم مَجَّيْب هُوَ الله وَكِيل يا الله وَكِيل هُوَ الحَكَمَ الحَكَمَ يا هُوَ يا هُوَ عَلَّي مَجَّيْب حَلِيم حَلِيم يا الله وَكِيل عَلَّي يا هُوَ يا هُوَ هُوَ الله وَكِيل الله وَكِيل الله هُوَ عَلَّي مَجَّيْب هُوَ الله وَكِيل يا عَلَّي يا عَلَّي هُوَ عَلَّي الله عَلَّي يا الله يا وَكِيل عَلَّي مَجَّيْب هُوَ حَلِيم حَلِيم يا هُوَ يا هُوَ عَلَّي مَجَّيْب هُوَ الله وَكِيل الله وَكِيل مَجَّيْب عَلَّي مَجَّيْب عَلَّي عَلَّي مَجَّيْب هُوَ حَلِيم حَلِيم عَلَّي هُوَ الله وَكِيل عَلَّي مَجَّيْب يا الله وَكِيل هُوَ الله هُوَ يا عَلَّي يا عَلَّي الله هُوَ الله وَكِيل هُوَ عَلَّي عَلَّي الحَكَمَ هُوَ حَلِيم حَلِيم عَلَّي عَلَّي يا الله يا وَكِيل هُوَ يا هُوَ الحَكَمَ هُوَ الله وَكِيل عَلَّي مَجَّيْب حَلِيم عَلَّي عَلَّي هُوَ الله وَكِيل عَلَّي مَجَّيْب عَلَّي عَلَّي مَجَّيْب الله هُوَ عَلَّي عَلَّي يا هُوَ يا هُوَ هُوَ الله وَكِيل هُوَ حَلِيم حَلِيم يا هُوَ هُوَ عَلَّي عَلَّي مَجَّيْب يا الله وَكِيل هُوَ يا هُوَ عَلَّي يا الله يا وَكِيل هُوَ الله وَكِيل يا الله وَكِيل يا هُوَ عَلَّي يا الله يا وَكِيل مَجَّيْب يا هُوَ يا هُوَ هُوَ هُوَ يا هُوَ يا الله يا وَكِيل يا عَلَّي يا عَلَّي هُوَ يا الله وَكِيل عَلَّي عَلَّي عَلَّي مَجَّيْب الله يا الله وَكِيل يا هُوَ هُوَ مَجَّيْب هُوَ حَلِيم عَلَّي يا هُوَ يا هُوَ عَلَّي عَلَّي هُوَ يا هُوَ يا الله يا وَكِيل يا الله وَكِيل الله وَكِيل هُوَ عَلَّي مَجَّيْب هُوَ يا هُوَ الحَكَمَ هُوَ الله وَكِيل هُوَ يا عَلَّي يا عَلَّي هُوَ يا الله وَكِيل الله وَكِيل هُوَ عَلَّي هُوَ يا الله وَكِيل الله وَكِيل الله يا هُوَ هُوَ حَلِيم حَلِيم الله وَكِيل يا الله وَكِيل حَلِيم عَلَّي الحَكَمَ يا هُوَ يا هُوَ هُوَ هُوَ عَلَّي عَلَّي يا عَلَّي يا عَلَّي يا الله وَكِيل هُوَ عَلَّي مَجَّيْب يا هُوَ يا هُوَ يا الله وَكِيل يا الله يا وَكِيل عَلَّي حَلِيم حَلِيم هُوَ يا الله وَكِيل هُوَ يا الله وَكِيل هُوَ عَلَّي الله وَكِيل هُوَ يا عَلَّي يا عَلَّي عَلَّي هُوَ الحَكَمَ عَلَّي يا الله يا وَكِيل هُوَ الله وَكِيل هُوَ عَلَّي عَلَّي الحَكَمَ هُوَ حَلِيم حَلِيم يا الله وَكِيل يا الله يا وَكِيل يا هُوَ هُوَ يا الله يا وَكِيل الله هُوَ يا الله يا وَكِيل عَلَّي مَجَّيْب عَلَّي مَجَّيْب يا هُوَ يا هُوَ هُوَ يا الله وَكِيل يا الله يا وَكِيل عَلَّي حَلِيم حَلِيم هُوَ الله الحَكَمَ الحَكَمَ الله وَكِيل الله هُوَ الله وَكِيل هُوَ عَلَّي مَجَّيْب حَلِيم هُوَ عَلَّي عَلَّي هُوَ الله وَكِيل عَلَّي مَجَّيْب يا الله وَكِيل هُوَ يا الله وَكِيل عَلَّي مَجَّيْب يا عَلَّي يا عَلَّي هُوَ حَلِيم حَلِيم يا هُوَ الله وَكِيل هُوَ هُوَ الله وَكِيل هُوَ يا الله وَكِيل هُوَ عَلَّي مَجَّيْب يا الله وَكِيل حَلِيم حَلِيم يا عَلَّي يا عَلَّي يا الله وَكِيل هُوَ عَلَّي يا عَلَّي يا عَلَّي مَجَّيْب هُوَ هُوَ الله وَكِيل هُوَ عَلَّي عَلَّي الله هُوَ حَلِيم هُوَ الله وَكِيل الحَكَمَ هُوَ مَجَّيْب عَلَّي عَلَّي مَجَّيْب هُوَ الله وَكِيل يا الله وَكِيل هُوَ الحَكَمَ الحَكَمَ يا هُوَ يا هُوَ عَلَّي مَجَّيْب مَجَّيْب الله هُوَ الحَكَمَ حَلِيم حَلِيم يا عَلَّي يا عَلَّي يا الله وَكِيل الله يا عَلَّي يا عَلَّي الله هُوَ عَلَّي الله وَكِيل يا عَلَّي يا عَلَّي يا الله وَكِيل هُوَ حَلِيم حَلِيم عَلَّي الحَكَمَ هُوَ حَلِيم حَلِيم مَجَّيْب حَلِيم حَلِيم يا الله وَكِيل عَلَّي يا هُوَ يا هُوَ هُوَ عَلَّي يا الله وَكِيل الله هُوَ يا هُوَ الحَكَمَ هُوَ الله وَكِيل يا الله وَكِيل هُوَ يا الله وَكِيل الحَكَمَ الله وَكِيل  الله يا هُوَ الله يا الله عَلَّي هُوَ يا هُوَ يا هُوَ مَجَّيْب هُوَ الحَكَمَ الحَكَمَ يا هُوَ يا هُوَ عَلَّي عَلَّي مَجَّيْب هُوَ الله وَكِيل عَلَّي مَجَّيْب يا هُوَ يا هُوَ  حَلِيم يا الله وَكِيل هُوَ عَلَّي مَجَّيْب الله وَكِيل الله وَكِيل يا الله وَكِيل حَلِيم يا هُوَ مَجَّيْب يا الله وَكِيل هُوَ يا هُوَ عَلَّي يا الله يا وَكِيل مَجَّيْب يا الله وَكِيل هُوَ الله يا الله عَلَّي هُوَ يا هُوَ يا هُوَ مَجَّيْب هُوَ الله وَكِيل حَلِيم حَلِيم هُوَ عَلَّي عَلَّي هُوَ الحَكَمَ الحَكَمَ يا هَوِيَا هُوَ  يأَهُوَ عَلَّي الله وَكِيل هُوَ الله وَكِيل يا الله وَكِيل يا الله هُوَ حَلِيم يا هُوَ هُوَ الله وَكِيل هُوَ عَلَّي مَجَّيْب حَلِيم هُوَ عَلَّي عَلَّي هُوَ الله وَكِيل يا الله وَكِيل الله وَكِيل حَلِيم حَلِيم الله يا الله يا وَكِيل مَجَّيْب يا هُوَ هُوَ عَلَّي عَلَّي هُوَ عَلَّي هُوَ الله وَكِيل الله وَكِيل مَجَّيْب يا هُوَ هُوَ عَلَّي يا الله وَكِيل الله حَلِيم حَلِيم الله وَكِيل عَلَّي هُوَ عَلَّي يا الله وَكِيل هُوَ الله وَكِيل الحَكَمَ هُوَ حَلِيم حَلِيم مَجَّيْب هُوَ الله وَكِيل الحَكَمَ هُوَ حَلِيم حَلِيم مَجَّيْب هُوَ الله وَكِيل الله هُوَ حَلِيم هُوَ هُوَ الله وَكِيل الله هُوَ حَلِيم هُوَ هُوَ الله وَكِيل حَلِيم حَلِيم يا هُوَ هُوَ الله وَكِيل هُوَ الله وَكِيل حَلِيم حَلِيم يا هُوَ هُوَ الله وَكِيل حَلِيم حَلِيم يا الله يا الله وَكِيل يا عَلَّي يا عَلَّي حَلِيم حَلِيم الله وَكِيل عَلَّي هُوَ عَلَّي يا الله وَكِيلَ هْو عَلَّي مَجَّيْب عَلَّي عَلَّي هُوَ عَلَّي عَلَّي

الاثنين، 26 مايو 2014

التغذية والأمراض

التغذية والأمراض
الغذاء والتغذية في الاسلام
معز الاسلام عزت فارس
ماجستير في التغذية-الجامعة الاردنية

 
مقدمة
الفصل الأول: الاسلام والغذاء
الباب الأول : أهمية الغذاء لجسم الإنسان وحاجته إليه
الباب الثاني: نظرة المسلم للغذاء والتغذية
الباب الثالث: فلسفة التغذية في الإسلام
الباب الرابع: إسهام الحضارة الاسلامية في مجال علوم الغذاء والتغذية
الفصل الثاني: أحكام الأغذية والأطعمة والأشربة في الإسلام
الباب الأول: أحكام الذبح
الباب الثاني: الأغذية المحرمة في الإسلام
الباب الثالث: الأغذية الحيوانية المحرمة في الإسلام
الباب الرابع: الأغذية المحللة في الإسلام
الفصل الثالث: اهتمام الإسلام بالغذاء
الباب الأول: الامن الغذائي في الإسلام
الباب الثاني: ضبط جودة الغذاء في الإسلام
الباب الأول: صيام رمضان
الباب الثاني: حكمة الإفطار على تمر
الخلاصة
المراجع
المقدمة:
منذ أن خلق الله عز وجل الإنسان وأعطاه القدرة على السعي والانتشار، وهو يعمل بدأب للحصول على الغذاء الذي يتمكن به من العيش والديمومة والإبقاء على ذاته، مما جعل السعي نحو إشباع رغبات الجسم وتلبية احتياجاته من الطعام أمرا فطريا وغريزيا، وهذا ما أكدته حادثة أبينا آدم عليه السلام وزوجه، إذ دفعتهما غريزة وشهوة الطعام إلى نسيان أمر الله والوقوع في المعصية ( ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما) طه (115) ، ولعل ارتباط الغذاء بأول حاثة في تاريخ البشرية يظهر بجلاء أهمية الغذاء في حياة الإنسان وفي التأثير على سلوكه.
ومن أن سكن الإنسان هذه الأرض وهو يسعى بشكل دائم إلى تأمين احتياجاته من الغذاء ، حتى أصبح توفر الغذاء شرطا لازما للاستقرار والاستيطان ، وكان بذلك أن أصبح للزراعة دور حاسم في تطور الحياة البشرية واستقرارها وفي تكون المجتمعات وتطور المدنية .
ومع تطور الحياة البشرية وازدهار الحضارات ، إزداد اهتمام الإنسان بالزراعة وانتاج الأغذية المختلفة (الحيوانية والنباتية) ، حتى غدت علوم الزراعة والتغذية والإغذية أبرز علوم العصر الحديث.
ولقد سبق الإسلام كل الأمم بحثه المسلم على العمل والزراعة وطالب المسلمين بالجد والاجتهاد في طلب الرزق وتحري الحلال الطيب والاعتدال في النفقة بعيدا عن الإسراف والتبذير.
الإسلام والغذاء
أهمية الغذاء لجسم الإنسان وحاجته إليه
تنبع أهمية الإغذية ، مثل اللحوم بأنواعها والحبوب والبقول والخضار والفواكه، من احتوائها على العناصر الغذائية اللازمة لانتاج الطاقة ، وللقيام بعمليات البناء والنمو والتكاثر وصيانة الأنسجة التالفة . ونظرا لعدم قدرة جسم الإنسان على تصنيع هذه العناصر الغذائية، أو عدم قدرته على تصنيعها بكميات كافية ، كان لزاما على الإنسان الحصول على هذه العناصر من خلال الغذاء.
وتنقسم العناصر الغذائية التي يحتاجها جسم الإنسان إلى مجموعات ست رئيسية وهي: الماء والسكريات (الكربوهيدات) والبروتينات والدهون والفيتامينات والمعادن ، وفيما يلي نبذة مختصرة عن هذه المغذيات واهميتها لصحة الإنسان وسلامته:
(1) الماء :
عنصر غذائي ضروري للجسم وله وظائف حيوية متعددة ويشكل الدعامة الرئيسة لحياة الإنسان وبقائه. والماء يشكل نسبة عالية من تركيب الخلايا والأنسجة الحية، وهو من الناصر الغذائية المنتجة للطاقة على الرغم من أهميته لجميع عمليات تمثيل الغذاء وانتاج الطاقة ، ولذلك كان لا بد من تناوله باستمرار، حيث يحتاج الإنسان البالغ إلى حوالي 3-4 لتر ماء كل يوم.
(2) السكريات (الكربوهيدات) :
وهي مركبات عضوية تتكون من عناصر الكربون والهيدروجين والأوكسجين، وهي تقسم إلى أنواع عدة نظرا لتوفرها في أنواع كثيرة من الأغذية . وتنبع أهيمة السكريات ، وخاصة الذائبة منها، من كونها المصدر الرئيسي للطاقة في غذاء الإنسان ، والكثير من الحيوانات المجترة.
بينما تشكل الكربوهيدات غير الذائبة ، والتي تعرف بالألياف الغذائية ، والمصدر الرئيسي للطاقة في الحيوانات المجترة وآكلة الأعشاب ، كما تلعب دورا هاما في المحافظة على صحة الإنسان وحيويته من خلال منع الإصابة بأمراض الإمساك وداء الأمعاء الردبي وسرطان القولون.
(3) الدهون :
وهي مركبات عضوية تحتوي على عناصر الكربون والهيدروجين والأوكسجين ، وتكمن أهميتها في دورها في تزويد الجسم بالطاقة الحرارية التي تبلغ ضعف الطاقة المأخوذة من السكريات. كما تكمن أهمية الدهون في احتوائها على الأحماض الدهنية التي يحتاجها الجسم ولا يستطيع تصنيعها والتي تدخل في بناء الخلايا وتركيبها. وتحتوي الدهون بالإضافة إلى ذلك الفيتامينات الذائبة في الدهون، والتي تقوم بدور عامل في بناء أنسجة الجسم مثل شبكة العين والعظام ، وفي المحافظة على نضارة الجلد وتماسكه.
(4) البروتينات:
والبروتينات مركبات عضوية كبرة تتكون من وحدات بناء نيتروجينية تعرف بـ " الأحماض الأمينية " ، وتتميز البروتينات باحتوائها على عنصر النيتروجين الذي يميزها عن الكربوهيدات والدهون. وللبروتينات دور هام وأساسي في بناء الأنسجة وصيانتها ، وفي تجديد التالف منها، كما تستخدم البروتينات في إنتاج الطاقة في حال نقص الكربوهيدات في الغذاء وعند وجود فائض من البروتينات يزيد عنه احتياجات الجسم للبناء والصيانة.
(5) الفيتامينات:
مجموعة من المركبات العضوية المعقدة في تركيبها ، ويتطلبها جسم الإنسان بكميات قليلة نسبيا، وهي ضرورية لصيانة نمو الجسم ووقايته من الأمراض . وهي تقسم إلى مجموعتين كبيرتين : الفيتامينات الذائبة في الماء والفيتامينات االذائبة في الدهون.
(6) العناصر المعدنية :
وهي تشكل 4% من وزن الإنسان ، ويتطلب الجسم بعض العناصر بكميات كبيرة نسبيا وتسمى العناصر الكبرى، ويتطلب الجسم بعضا منها ولكن بكميات صغيرة نسبيا وتسمى العناصر الصغرى أو النزرة . وتلعب العناصر المعدنية دورا هاما في تنشيط التفاعلات الحيوية داخل الجسم وفي تنظيم سوائل الجسم وتنظيم التوازن الحامضي – القاعدي فيه.
نظرة الإسلام إلى الغذاء والتغذية
لما كانت الزراعة ضرورية لتوفير الغذاء وتأمين احتياجات الإنسان منه، فقد حث الإسلام على الاهتمام بالزراعة باعتبارها الركيزة الأساسية في بناء الاقتصاد القوي وتأمين الحياة الكريمة، وباعتبارها المصدر الأساسي والرئيس في توفير الغذاء ، فقال صلى الله عليه وسلم : "لا يغرس المسلم غرسا ولا يزرع زرعا فيأكل منه إنسان ولا دابة ولا شيء إلا كانت له صدقة". رواه مسلم عن جابر بن عبدالله، وقال عليه الصلاة والسلام : " إذا قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا يقوم حتى يغرسها فليفعل " رواه أحمد عن أنس بن مالك.
كما حث الإسلام على تنمية القطاع الزراعي وزيادة رفعته من خلال حثه على إعمار الأرض البوار واستصلاحها بالزراعة ، فقال عليه الصلاة والسلام : " من أحيا أرضا ميتة فهي له" ، رواه الترمذي عن جابر بن عبدالله، كما نهى الإسلام عن كل ما يؤدي إلى الضرر بالقطاع الزراعي ويتسبب في الإخلال بالأمن الغذائي ، فقال عليه الصلاة والسلام : "من قطع سدرة صوب الله رأسه بالنار" ، رواه أبو داوود عن عبدالله بن حبشي. ()
وقد أشار القرآن الكريم على هذا المعنى من خلال نهيه عن الفساد والإفساد في الأرض، والذي يتضمن الإضرار بالثروة الحيوانية والنباتية ، فقال تبارك وتعالى: { ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام . وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد} البقرة (205).
ونظرا لما يتطلبه الحصول على الغذاء من بذل للجهد والوقت ، ولما يحتاجه ذلك من تطوير لأساليب العمل والإنتاج والتصنيع، ومنه الإنتاج والتصنيع الزراعي، فقد حث الإسلام على العمل والاحتراف والكسب الحلال الطيب، لقوله صلى الله عليه وسلم : " خير الكسب كسب يد العامل إذا نصح" رواه أحمد عن أبي هريرة ، وقال عليه الصلاة والسلام حاثا على الأكل من كسب اليد الحلال: " ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده ، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده" ، رواه البخاري. كما دلت الآية الكريمة على ضرورة السعي في طلب الرزق والسير في الأرض وبذل الجهد في سبيل تأمين الرزق ، فقال جل من قائل: { هو الذي جعل الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور} الملك (15).
وقد حث الإسلام أتباعه على الانتفاع بما خلق الله لعباده من الطيبات بغية التعرف على نعم الله وعطاياه ، والتي من أظهرها أنواع الطعام المختلفة ، قال جل وعلا : { ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش، قليلا ما تشكرون} الأعراف (10)، وقال عز من قائل : { يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون} البقرة (172) .
كما حرم الإسلام على أتباعه حرمان أنفسهم من التمتع والتلذذ بطيبات ما أحل لهم من الرزق فقال جل وعلا: { يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم} وبين أن في ذلك تعديا على حدود الله وتجاوزا لأوامر ، فقال جل وعلا في آخر الآية : { ولا تعتدوا ، إن الله لا يحب المعتدين} المائدة (87) . وقال جل من قائل: { وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واتقوا الله الذي انتم به مؤمنون} المائدة (88). وفي الربط ما بين التقوى والأكل من رزق الله دليل واضح وصريح على ضرورة الالتزام بمنهج الله وتطبيق أوامر واجتناب نواهيه، فيما يتعلق بالحصول على الغذاء وتناوله ، والتأكيد على ضرورة الحرص على الحلال وتجنب الحرام، لما لذلك من تأثير كبير على حياة الإنسان وسلوكه ومعاشه.
ويظهر اهتمام الإسلام بالغذاء من كونه يشكل مع قضية الأجل القضية المحورية والعمود الفقري في حياة الإنسان، وتبلور أفكاره وتبديد هواجسه، وكثيرا من الحروب الأزمات النزاعات والخلافات في العالم سببها اقتصادي أو نتيجة لأزمة غذاء.
فلسفة التغذية في الإسلام
إن الإسلام قد ربط كل عمل يقوم به المسلم في حياته بغاية عظمى وهدف سام يعيش له المسلم ويحيى من أجله، ألاوهو تحقيق العبودية لله عز وجل، { قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ب العالمين} الأنعام (162). { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة} البينة (5).
والتغذية شأنها شأن أي مفردة من مفردات حياة الإنسان المسلم غايتها التقوي على طاعة الله والاستعانة بهذا الغذاء في توفير الطاقة اللازمة للجسم وللمحافظة على صحته بما يضمن بقاءه واستمراره على تأدية الواجبات والقيام بحقوق العبودية لله عز وجل واعمار الأرض وفق منهج الله.
وهذا ما دل عليه أحد السلف الصالح رضوان الله عليهم : " إني لأحتسب لله أكلتي وشربتي كما أحتسب نومتي وقومتي" . وقد كان لهذه الفلسفة الأثر الكبير في ترشيد نظرة المسلم للغذاء وترشيد التعامل معه، فهو يعتبره وسيلة لا غاية يجهد من أجلها وفي سبيل تحقيقها إشباعا لرغباته وشهواته نفسه ، وهو بذلك يضمن لنفسه أن يجنبها غوائل الإسراف والتبذير في طلب الطعام وتناوله ويكون بذلك أيضا قد أعفى نفسه من الكثير من المشاكل الصحية .
وفي هذا المعنى يصدق حديث النبي صلى الله عليه وسلم : " تعس عبد الدرهم ، تعس عبد الدينار، وتعس عبد القطيفة ، تعس عبد الخبيصة ( وهي نوع من أنواع الطعام) ، تعس وانتكس ، وإذا شيك فلا انتقش" ، وبما أن الإسلام قد أوجب على اتباعه حفظ أجسامهم وتجنبها كل ما يؤذيها ويلحق الضرر بها { ولا تقتلوا أنفسكم ، إن الله كان بكم رحيما} ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا ضرر ولا ضرار" ، فقد أصبح تباعا من الواجب شرعا على المسلم أن يعتني بغذائه وأن يحرص على تلبية احتياجات جسمه من جميع العناصر الغذائية التي يضمن توفرها الإبقاء على الجسم صحيحا سليما بعيدا عن الأمراض، وكذلك الحرص على تجنب الأغذية الضارة التي تسبب المشاكل الصحية والأمراض للجسم.
إسهام الحضارة الإسلامية في مجال علوم الغذاء والتغذية
لقد انعكست نظرة المسلم إلى الغذاء على حياة العرب في صدر الإسلام ، إذ لم يهتم العرب كثيرا في تحسين وتطوير أطعمتهم ، ولم يعرف عنهم التفنن في ذلك، بل سلكوا أسلوب التقليد للأمم والشعوب الأخرى التي دخلت الإسلام فيما بعد، فكان أن تعرف العرب على تقاليد هذه الأمم والشعوب في تحضير الأطعمة والوجبات، وكان أن انتلقت إليهم العديد من الأكلات والطبخات التي ما زالت تحتفظ بأسمائها غير العربية حتى يومنا هذا ، مثل : الكباب والبرياني والقوزي والبرغل والطرشي والشركسي والكشري والمعكرونة وغيرها من الأطعمة والإغذية.()
ومع مرور الوقت، واتساع رقعة الأقطار الإسلامية ، أصبح لدى علماء المسلمين اهتماما متزايدا في تدبير الأطعمة وعاداتها وآدابها، فكان أن ظهرت بعض الكتب التي تهتم بهذا الشأن ، مثل كتاب (الولائم) لشمس الدين محمد بن علي بن طولون الدمشقي (1475-1546) ، وكتاب ( آداب الأكل) لابن عماد الأفقهبي (1349-1405) ، وكتاب (تدبير الأطعمة) للكندي (801-856) .()
الاعتدال والإسراف:
ولم يقتصر اسهام الحضارة الإسلامية على تدبير شؤون الغذاء وعاداته فحسب، بل كان لها الأثر الأبرز في تطوير المفاهيم الغذائية والتغذوية والصحية ، وفي تكوين السلوك التغذوي السليم وإبراز الغذاء كعامل مهم في صحة الإنسان ، وهو ما كان يشكل سبقا حضاريا وإعجازا علميا يؤكد صدق النبوة والرسالة المحمدية.
فقد حثت آيات القرآن الكريم على عدم التبذير والإسراف في تناول الطعام، وعلى سلوك منهج التوسط والاعتدال في كل شؤون الحياة، فقال جل وعلا: { وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا} البقرة (143) ، وقال عز من قائل: { وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان} الرحمن وأفردت آيات القرآن الكريم مساحة خاصة للغذاء ، فقال عز وجل: { وكلوا واشربوا ولا تسرفوا، إنه لا يحب المسرفين} الأعراف (31) . وقد وردت في السنة النبوية الأدلة الموجهة الى النهي عن الإكثار والإفراط في تناول الطعام والشراب، فقال صلى الله عليه وسلم : " ما ملأ ابن آدم وعاء من شر من بطنه ، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن أوده، فإن كان لا بد فاعل فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه"
ودلت دراسات العلم الحديث على أن السمنة الناجمة عن الإفراط في تناول الطعام تعد من أخطر أمراض العصر، إذ ينشأ عنها العديد من الأمراض التي تهدد حياة الإنسان وتعرضه للهلاك مثل أمراض السكري وارتفاع ضغط الدم وتصلب الشرايين والنقرس، وهذا ما يؤكد صحة المقولة المأثورة : " المعدة بيت الداء والحمية رأس كل دواء".
كما جاءت الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة بتخصيص ذكر الأطعمة كاللحوم والتمر والعسل واللبن وتبيان أهميتها وفائدتها الصحية والتغذوية ، فقال جل وعلى مبينا أهمية العسل الصحية : { فيه شفاء للناس} النحل ( 69) ، وقال صلى عليه الله عليه وسلم منبها إلى أهمية التمر الغذائية : " بيت لا تمر فيه جياع أهله" رواه مسلم وأحمد ، وقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا شرب اللبن (الحليب) قال : " اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه، وكان إذا أكل أو شرب غيره من الأغذية قال : " الله بارك لنا فيه وأطعمنا خيرا منه" .
وكانت المعالجة بالأغذية للأمراض من أهم أسس العلاج الطبي لكثير من الأمراض في المستشفيات في الحواضر الإسلامية في العصرين الأموي والعباسي. () ، وجاء تخصيص الأغذية في كتب الأطباء المسلمين ، كالرازي (850-932) وابن سينا (980-1037) ، وقد لخص ابن سينا كتاب (القانون في الطب) في منظومته المشهورة " الأرجوزة في الطب) والتي أظهر فيها اهتمامه الكبير بالأغذية والمعالجة بها، ومن الأمثلة على الكتب الأخرى التي ألفها العلماء المسلمون في التغذية كتاب (الأشربة) لابن ماسويه (777-857) وكتاب (تدبير الأصحاء بالمطعم والمشرف) لحنين ابن اسحق (809-873) و(الارجوزة في الحميات) لابن عزروت و (الأرجوزة في الأغذية والترياق) للسنان الدين ابن الخطيب (1313-1375).
أحكام الأغذية (الأطعمة والأشربة) في الإسلام
أحكام الذبح وآدابه
عني الإسلام بوضع الأحكام الشرعية التي تنظم عملية الذبح للحيوانات التي يحل أكل لحومها ، لما لعملية الذبح من تأثير كبير على صحة وسلامة هذه اللحوم ، وما ينتج عن ذلك من تأثير كبير على صحة الإنسان ، ولقد حققت الشريعة الإسلامية سبقا حضاريا بفرض الذكاة الشرعية على ما يحل أكله من الحيوانات (كالأنعام والإبل والماشية) ، وبوضع العديد من الآداب والأحكام الشرعية أثناء عملية الذبح. () :
  • فمن ذلك ضرورة التقيد بالذكاة الشرعية ، وهي ذبح الحيوان أو نحره بقطع حلقومه (مجرى النفس) أو مريئه (مجرى الطعام والشراب من الحلق) () وينطبق ذلك على كل حيوان يحل أكله ما عدا السمك والجراد. وتكمن اهمية الذكاة في تسهيل خوج وتدفق الدم من داخل جسم الحيوان، حيث يحمل الدم داخل الجسم العديد من المركبات السامة مثل المركبات النيتروجينية (اليوريا وحمض البول والأمونيا) وغاز ثاني أكسيد الكربون ، بالاضافة إلى أنه ناقل لبعض السموم من الأمعاء إلى الكبد ، والتي قد يؤدي تناولها إلى الإضرار بصحة الإنسان وتسبيب الأمراض له.
  • أن يذكر اسم الله سبحانه وتعالى على الحيوان المراد تذكيته ، لقوله تعالى : {فكلوا مما ذكر اسم الله عليه إن كنتم إياه تعبدون} الانعام (118)، وقوله جل وعلا: { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق} الأنعام (121).
  • أن تكون الأداة المستخدمة في ذبح الحيوان حادة حتى تتم عملية الذبح بسرعة وسهولة، ولكي تقل معاناة الحيوان أثناء الذبح ، ويعد هذا الأمر سبقا حضاريا آخر في مجال التعامل مع الحيوان والرفق به وعدم تعذيبه ، قال صلى الله عليه وسلم : " إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة ، وليحد أحدم شفرته وليرح ذبيحته" رواه مسلم عن شداد بن أوس. وفي الحث على إراحة الحيوان قبل ذبحه حكمة جليلة أظهرتها الدراسات العلمية الحديثة ، إذ أن إراحة الحيوان قبل الذبح أمر ضروري للحصول على لحم ذي طعم مستساغ، حيث يتحول الجلايكوجين الوجود في العضلات بعد ذبح الحيوان إلى حامض اللاكتيك (حامض اللبن) والذي يقوم بدور حافظ للحم ، وكذلك يعمل على تطرية اللحم حيث يقوم هذا الحامض خلال فترة تعليق الحيوان بتغيير طبيعة البروتين في اللحم مما يعمل على تطريته، وفي حال تعرض الحيوان للإجهاد قبل الذبح فإن ذلك سيؤدي إلى استنفاد كمية الجلايكوجين ، ومن ثم التقليل من تكون حامض اللاكتيك بدرجة كبيرة فلا تتم عملية التطرية بشكل جيد.
الأغذية المحرمة في الإسلام
إن من مقاصد الشريعة الإسلامية الغراء حفظ الدين والعقل والنفس والجنس(النسل) والمال، وقد عمد الشارع الحكيم إلى تحريم كل ما من شأنه أن يخل بتحقيق هذه المقاصد . والقاعدة الشرعية التي تحكم التعامل مع مكونات الطبيعة وما أوجده عز وجل فيها هي أن الأصل في الشيء الإباحة لقوله تعالى : { وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه} الجاثية (45) ، إلا ما ورد نص على تحريمه مثل النجس وما اختلط بنجس والضار والمسكر وكل ما تأنفه النفس السوية ولا تستطيبه من الأوساخ والقاذورات ، قال تعالى : { ويسألونك ماذا أحل لهم، قل أحل لكم الطيبات} المائدة (4). ويقول تعالى في صفة نبيه صلى الله عليه وسلم : {ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث} الأعراف (175).
الخمـــــــــــــــــــــــر
الخمر هو المادة الناتجة عن التخمر اللاهوائي للسكريات البسيطة الموجودة في بعض انواع الحبوب والفواكه مثل الشعير والتمر والعنب والعسل، إذ ينتج عنه تخمر هذه السكريات بفعل أنواع من الفطريات (الخمائر) انتاج مادة الكحول ، وهي مادة الإيثانول (الكحول الأثيلي). () والخمر كما عرفه سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه : " ما خامر العقل" أي اختلط به فغطاه وحجبه عن العمل بصورته الطبيعية التي خلقه الله عز وجل عليها، فيصبح الإنسان مغيبا عنه نفسه وعن محيطه، فيتصرف بغير هدى من عقله ورشده، فيحصل الفساد والإفساد في الأرض .
يقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم : " كل مسكر خمر وكل مسكر حرام" رواه مسلم وأحمد والترمذي والنسائي. ويقول صلى الله عليه وسلم : " ما أسكر كثيره فقليله حرام" رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة.
ونظرا لما يؤديه شرب الخمر من أضرار بالعقل والجسم وما يلحق ذلك من صد عن سبيل الله وعن الصلاة وايقاع العداوة والبغضاء ، فقد شدد الإسلام في تحريمه وغلظ في عقوبة شاربه، فقال عز من قائل: { يسألونك عن الخمر والميسر ، قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما} البقرة (219) ، وقوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون. إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة ، فهل أنتم منتهون} المائدة (90-91) . كما شدد النبي صلى الله عليه وسلم في تحريمه والتنفير منه كل ما يؤدي إليه ومن المعاونة عليه، وجعل جزاء ذلك اللعنة ، أي الطرد من لعنة الله . فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن في الخمر عشر: عاصرها ومعتصرها وشاريها وحاملها والمحمولة إليه وساقيها وبائعها وآكل ثمنها والمشتري لها والمشتراة له".
وقد أكدت الأبحاث العلمية أن تناول الخمر يؤدي إلى العديد من الأضرار على صحة الإنسان، إذ ينتج عنه تمثيل الكحول داخل الجسم انتاج مواد كيميائية تضر بالدماغ والعضلات والكلى والكبد والقلب () ، هذا بالاضافة إلى المشاكل والأضرار الاقتصادية والاجتماعية والجمالية ، والتسبب بأمراض سوء التغذية الكثيرة ومنها:
  1. يقلل تناول الكحول من تناول الأطعمة الأخرى التي تحتوي على العناصر الغذائية المفيدة للجسم ، فالكحول مصدر للطاقة الفارغة ويعطي الإنسان قناعة وهمية بالشبع، فيعزف عن تناول الأطعمة الأخرى.
  2. يسبب تناول الكحول التهابات في المعدة والأمعاء والبنكرياس ، فيؤثر على عملية الهضم والامتصاص ويؤدي ذلك إلى سوء امتصاص العناصر الغذائية مثل المعادن والفيتامينات ، وخاصة فيتامينات (ب) المركبة الذائبة في الماء وفيتامين (ج).
  3. الكحول ومخلفاته التمثيلية في الكبد تؤدي إلى تشمع الكبد الكحولي الذي يؤدي إلى الوفاة. وتشير الاحصاءات الى أنه يموت سنويا في فرنسا 25000 وفي المانيا 16000 بسبب هذا المزمن ، كما يؤدي النواتج التمثيلية إلى تقليل الإستفادة من الفيتامينات والمعادن فتحدث أعراض النقص لها مثل:
  • أمراض نقص فيتامين (ب 1) مثل البري بري وهبوط القلب وضعف التركيز والإبداع والالتهاب العصبي الكحولي.
  • مرض الحصاف ( البلاغرا) الناتج عن نقص فيتامين (ب3) (النياسين).
  • مرض فقر الدم الناتج عن نقص فيتامين (ج) و ( (ب12) وحمض الفوليك.
  • أمراض نقص عنصر الزنك كالقزمة (قصر القامة) وتأخر البلوغ والنضوج الجنسي وتأخر النمو وضعف الإفرازات الجنسية والاجهاض عند الحوامل وضعف مناعة الجسم.
  • أمراض نقص فيتامين (أ) كالعشى الليلي وتأثر الإفرازات الجنسية.
  • يزيد الكحول من نسبة أطراح بعض العناصر الغذائية في البول وخاصة العناصر المعدنية الكبرى كالمغنيسوم والزنك.
(5) الكحوليون يعرضون أنفسهم لنقص المناعة ضد الأمراض.
(6) يقترن تناول الكحول بزيادة نوبات مرض النقرس.
(7) إن 90% من مرض سرطان المعدة هم من الكحوليين وان معظم حالات سرطان الرأس (اللسان وقاعدة الفم والبلعوم والمريء واللوزتين) تكون في المدمنين على الخمر.
(8) حصول التخلف العقلي والتشوه الخلقي في الأطفال الذين يولدون لأمهات مدمنات.
(9) الإسهام بفاعلية في زيادة الأمراض الصدرية وخاصة مرض السل الرئوي والالتهابات الرئوية الحادة.
(10) إن خلايا الجهاز الهضمي هي أكثر تعرضا لخطر الكحول، إذ تتأثر خلايا قشرة المخ المسؤولة عن التفكير والارادة ، كما يؤدي تناول الخمر إلى التهاب الاعصاب الطرفي المتعدد الذي يسبب شلل الأطراف العلوية (اليدين والساعدين) والأطراف السفلية (القدمين والساقين) . ومن هذا كله يظهر لنا جليا ما انطوى عليه تحريم الخمر من حكم جليلة وعظيمة، كما يظهر لنا حجم المعاناة والمأساة التي تعانيها البشرية نتيجة لابتعادها عن حكم الله عز وجل وأمره { أفحكم الجاهلية يبغون ، ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون} المائدة (50) ، فقد أظهر تقرير لمنظمة الصحة العالمية ، نوفمبر 1978 ، أن " مشكلة تناول الكحول في سائر أنحاء العالم هي من الأهمية بحيث تحتاج إلى عمل ضخم وسريع من قبل منظمة الصحة العالمية" وأشار التقرير إلى أن " المشكلات الناتجة عن تناول الكحول تشكل عائقا هاما في طريق التنمية الاجتماعية والإقتصادية ، باضافة إلى أنها تستهلك كل الإمكانات الصحية لتلك الدول ما لم تتخذ التدابير المناسبة". ()
الأغذية الحيوانية المحرمة
قال الله تعالى في محكم كتابه العزيز: { حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير ، وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم ، وما ذبح على النصب وأن تستقسمها بالأزلام ، ذلكم فسق} المائدة (3). وقال جل من قائل: { فل لا أجذ فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس، أو فسقا أهل لغير الله به ، فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم} الأنعام (145) . وقد أثبت العلم الحديث الكثير من الحقائق العلمية التي تؤيد تحريم هذه الأطعمة لما تتضمنه من مفاسد وأضرار على صحة الإنسان:
(1) الميتة:
وهي ما مات حتف أنفه سواء موتا عاديا أو بالشيخوخة أو بالاصابة بالأمراض أو بالذبح دون الإلتزام باذكاة الشرعية: ()
  • فالموت بسبب الشيخوخة ينجم عن تحلل الأنسجة وتلفها، والذي ينتج عن ضعف طبيعي في الحيوان أو عن مرض غير منظور ، فيحدث ذلك تغيرات في لحم الحيوان ويقلل من قيمته الغذائية وقابليته للهضم ، فضلا عن الأضرار المتعلقة بانحباس الدم .
  • أما الميتة بسبب مرض من الأمراض الفتاكة التي تصيب الحيوانات مثل السل والجمرة الخبيثة (الانثراكس) وجراثسم السالمونيلا والكلستريديوم وغيرها. فتناول لحوم هذه الحيوانات يشكل خطورة على صحة الإنسان ، لأن الميكروبات المسببة لهذه الأمراض ما تزال متواجدة ونشطة وقد تقوم بإفراز سمومها.
وقد رخص الشارع الحكيم بتناول أنواع من الميتة مثل لحوم السمك والجراد، كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أحلت لنا ميتتان : السمك والجراد، ودمان : الكبد والطحال" رواه أحمد والشافعي وابن ماجة والبيهقي والدار قطني.
(2) الدم:
أي الدم المسفوح () ، إذ يعد الحيوان المسفوح من أفضل البيئات لنمو الجراثيم الضارة والممرضة ، لذلك كانت حكمة تحريم تناوله. وقد أثبتت الدراسات الحديثة أن الدم حامل لعدد كبير من الجراثيم والسموم والفضلات الضارة الناتجة عن عمليات الأيض والتمثيل الغذائي وعمليات الهدم والبناء في الأنسجة () . ويؤدي تناول الدم عن طريق الضم إلى ارتفاع اليوريا في دم الإنسان مما قد يؤثر على المخ ويسبب الغيبوبة المفاجئة.
(3) لحم الخنزير:
والخنزير حيوان قذر يعيش على الأوساخ والقاذورات ، وهو ما تأباه النفس السوية وتعافه وترفض تناوله ، لما فيه من إخلال بطبع الإنسان ومزاجه السوي الذي خلقه الله عز وجل فيه {لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم} التين (4). ولعل من الجدير بالذكر أن تحريم لحم الخنزير كان قطعيا في أية واحدة، بينما كان تحريم الخمر تدريجيا ونزلت آيات تحريمه على ثلاث مراحل، ولعل هذا الأمر يرجع إلى طبيعة العرب آذاك إذ كان الخمر من أكثر الأمور شيوعا في حياتهم ، وكان من الصعب على النفس البشرية التي اعتادت عليه أن تقلع عنه قطعيا خلال فترة وجيزة وبدون تدرج، أما بالنسبة للحم الخنزير فقد كان التحريم قطعيا بغير تدرج لأن العرب لم يكونوا قد تعودوا على تناوله بشكل مستمر.
وقد أجمع العلماء على تحريم جميع أجزاء الخنزير، وذكر الآية للحم الخنزير هو من باب المجاز اللغوي ، إذ أطلق الله عز وجل الجزء ( وهو اللحم) وأراد الكل ( وهو جميع الخنزير) ، لأن اللحم هو الجزء الأهم والمأكول من الخنزير ، وقد أثبت العلم الحديث الحقائق التالية المتعلقة بلحم الخنزير: ()
  • يعد لحم الخنزير من أكثر أنواع اللحوم الحيوانية التي تحتوي مادة الكوليسترول الدهنية ، والتي تقترن زيادتها في دم الإنسان بزيادة فرص الاصابة بتصلب الشرايين واحتشاء عضلة القلب. كما أن تركيب الأحماض الدهنية في لحم الخنزير تركيب شاذ غريب يختلف عن تركيب الأحماض الدهنية في الأغذية الأخرى، مما يجعل امتصاصها أسهل بكثير من غيرها في الأغذية الأخرى وبالتالي زيادة كوليسترول الدم.
  • يساهم لحم الخنزير ودهنه في انتشار سرطان القولون والمستقيم والبروتستاتا والثدي والدم .
  • بسبب لحم الخنزير ودهنه الإصابة بالسمنة وأمراضها التي يصعب معالجتها.
  • بسبب تناول لحم الخنزير الحكة والحساسية وقرحة المعدة.
  • بسبب تناول لحم الخنزير الاصابة بالتهابات الرئة والناتجة عن الدودة الشريطية ودودة الرئة والتهابات الرئة الميكروبية.
وتتمثل أهم مخاطر تناول لحم الخنزير في احتواء لحم الخنزير على الدودة الشريطية وتسمى تينياسوليم التي يصل طولها إلى 2-3 متر. ويؤدي نمو بويضات هذه الدودة في جسم الإنسان فيما بعد إلى الإصابة بالجنون والهستيريا في حال نمو هذه البويضات في منطقة الدماغ، وإذا ما نمت في منطقة القلب فإنها تؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم وحدوث نوبات قلبية ، ومن أنواع الديدان الأخرى التي تتواجد في لحم الخنزير دودة التريكانيلا الشعرية الحلزونية المقاومة للطبخ والتي قد يؤدي نموها في الجسم إلى الإصابة بالشلل والطفح الجلدي.
(4) ما أهل لغير الله به:
ويحرم الإسلام أكل كل ما ذبح لغير الله أو ذكر عليه غير اسم الله عز وجل، يقول الله تبارك وتعالى : { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق} الأنعام (121) ، وهذا الأمر يؤكد ارتباط غذاء الإنسان بعقيدته وأنه جزء من منظومة العبودية لله عز وجل، فالأكل من غير ما ذبح لله دليل على موافقة الأكل لهذا الأمر وإقراره عليه.
(5) المنخنقةوالموقوذة والمتردية والنطيحة :
والمنخنقة: هي التي تخنق فتموت.
والموقوذة: هي التي ضربت بعصا أو بحجر فقتلت.
والمتردية: هي التي تردت من مكان عال فماتت.
والنطيحة: هي التي تنطحها أخرى فتقتلها. ()
والحيوانات في مثل هذه الحالات لا يحل أكلها لأنها ماتت أو قتلت بغير الذكاة الشرعية التي تساعد على خروج الدم الضار من الجسم، ولذلك فهي تحمل الجراثيم الضارة وتؤدي إلى الإصابة بالأمراض ، لذلك كانت حكمة تحريم أكل هذه اللحوم.
(6) ما أكل السبع إلا ما ذكيتم:
والمقصود به هو ما جرحه الحيوان المفترس () ، وتبقى جزء من جثته بعد أكل كفايته منها. ولما كانت الحيوانات المفترسة عادة ما تأكل الجيف الحاملة للجراثيم الممرضة، فإن هذه الجراثيم تنتقل إلى الفريسة الجديدة عن طريق الحيوان المفترس ، فيسبب ذلك حصول الأمراض عن أكل لحومها.
وتجدر الإشارة إلى أن الإسلام حرم أكل لحوم الحيوانات المفترسة والجارحة التي تتغذى على لحوم حيوانات أخرى، مثل السباع والقطط والكلاب، بالاضافة إلى الطيور الجارحة مثل الصقر والنسر والعقاب، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الله حرم أكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير" رواه الإمام مالك في الموطأ. وتتميز لحوم هذه الحيوانات بالشدة والقساوة بسبب شد العضلات في جسمها وكبر ححمها ، وذلك لتناسب مع حاجاتها في ملاحظة ومهاجمة الحيوانات ومصارعتها والتغلب عليها لافتراسها ، فيصعب لذلك هضم وبلع هذه اللحوم والاستفادة منها.
(7) تحريم الجلالة :
والجلالة: هي التي تأكل العذرة من الإبل والبقر والغنم والدجاج والأوز وغيرها حتى يتغير ريحها . فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شرب لبن الجلالة ، رواه الخمسة إلا ابن ماجة . وإذا ما حبست الجلالة بعيدا عن العذرة وعلفت علفا طاهرا وطاب لحمها جاز أكلها وذهب اسم الجلالة عنها. ()
(8) تحريم المستخبثات والمستقذرات :
يقول تعالى : { ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث} الأعراف (157) . والطيبات هي ما تستطيبه النفس وتستلذه من غير ورود نص في تحريمه ، فإن استخبثته فهو حرام. ويدخل في الخبائث كل مستقذر مثل البصاق والمخاط والعرق والمني والروث والقمامة، والقمل والبراغيث والحشرات الضارة ونحو ذلك. ()
الأغذية المحللة في الإسلام (الطيبات من الرزق)
إن الله عز وجل خلق الإنسان واستخلفه في الأرض، وهيأ له من السبل والوسائل ما تعينه على القيام بحقوق العبودية وواجبات الاستخلاف. فكان أن جعل الله عز وجل للإنسان الطيبات من الرزق، والتي من خلالها يتعرف على نعم الله وعطاياه، ويتمكن من التمتع والتطيب إلى جانب التزود بما يحتاجه جسمه من مغذيات ، قال تعالى : { وفي الأرض قطع متجاورات ، وجنات من نخيل وأعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد، ونفضل بعضها على بعض في الأكل، إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون} الرعد (4) . وقد اشتملت آيات القرآن الكريم على ذكر العديد من الأغذية الطيبة التي تمتاز باحتوائها على العناصر الغذائية اللازمة لنمو الجسم وصيانته ووقايته من الأمراض. ولم يقتصر الأمر على ذكر هذه الأطعمة ، بل تعداه إلى القسم بها، وهو ما يدل دلالة واضحة على أهمية هذه الأطعمة وفائدتها الغذائية والصحية ، وإلا فلم يقسم الله عز وجل بها، فالعظيم لا يقسم إلا بما هو عظيم ، قال تعالى : { والتين والزيتون} التين (1) .
وفيما يلي نبذ عن بعض هذه الأطعمة الطيبة : ()
(1) اللبن (الحليب):
قال الله تعالى : { وإن لكم في الأنعام لعبرة ، نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين } النحل (66) . وروى ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من أطعمه الله طعاما فليقل: اللهم بارك لنا فيه وارزقنا خيرا منه، ومن سقاه الله لبنا فليقل : اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه، فإني لا أعلم ما يجزيء من الطعام والشراب إلا اللبن" أخرجه الترمذي وابو داود وابن ماجة وقال الألباني حديث صحيح.
(2) عسل النحل:
قال تعالى : { وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال أكنانا ومن الشجر ومما يعرشون، ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا ، يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون} النحل (68-69). وقد ورد في الصحيحين من حديث أبي المتوكل عن أبي سعيد الخدري أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن أخي يشتكي بطنه، وفي رواية استطلق بطنه، فقال : إسقه عسلا. فذهب ثم رجع فقال : لقد سقيته فلم يغن عنه شيئا. وفي لفظ فلم يزده إلا استطلاقا مرتين ، وثلاثا ، كل ذلك ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " اسقه عسلا" . فقال له في الثالثة أو الرابعة : " صدق الله وكذب بطن أخيك".
(3) الرطب والتمر والبلح:
قال تعالى : { فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منيسا. فناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا . وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا. فكلي واشربي وقري عينا} مريم (23-26). وأخرج مسلم في كتاب ألاشربة من حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " بيت لا تمر فيه جياع أهله" . وأخرج البخاري في كتاب الطب ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من تصبح من تمر العالية لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر".
(4) الزيتون:
قال تعالى : { ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون} النحل (11). وقال تعالى مقسما به: {والتين والزيتون} التين (1). واخرج الترمذي في الأطعمة من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " كلوا الزيت وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة" وعنه صلى الله عليه وسلم قال: " ائتدموا بالزيت وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة" أخرجه ابن ماجة والحاكم وقال الألباني حديث حسن. وروى البحاري عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول صلى الله عليه وسلم قال: " كلوا وادهنوا به فإن فيه شفاء من سبعين داء منها الجذام".
(5) الأسماك :
قال تعالى: { أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة ، وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما ، واتقوا الله الذي إليه تحشرون} المائدة (96) . وروى الإمام أحمد وابن ماجة من حديث عبدالله بن مر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أحلت لنا ميتتان ودمان : السمك والجراد والكبد والطحال" .
(6) التين:
وهو مما أقسم الله عز وجل به : { والتين والزيتون} التين (1). وذكر السيوطي في الجامع الصغير من حديث ضعيف عن أبي الدرداء قال: أهدي إلى النبي صلى الله عليه وسلم طبق من تين ، فقال صلى الله عليه وسلم : كلوا ، وأكل منه. وقال : لو قلت إن فاكهة نزلت من الجنة قلت هذه ، لأن فاكهة الجنة بلا عجم ، فكلوا منها فإنها تقطع البواسير وتنفع من النقرس"
اهتمام الإسلام في الغذاء
الأمن الغذائي في الإسلام
لقد لفت القرآن الكريم أنظار البشرية إلى أهمية الغذاء في حياة الأمم والشعوب ، وذلك من خلال ربطه بالأمن والاستقرار السياسي. وقد تجلى ذلك المعنى من خلال سورة قريش، حيث أمتن الله عز وجل على قريش بما أفاء عليهم من نعمة الأمن الغذائي { الذي أطعمهم من جوع} ونعمة الأمن والاستقرار السياسي {وآمنهم من خوف} وجعل ذلك من النعم العظيمة التي تستحق الشكر والعبادة لله عز وجل ولا يجوز أن تقابل بالنكران { فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف} قريش (4) .
ولم تغفل السنة النبوية عن ذكر أهمية الأمن الغذائي في حياة الفرد والجماعة ، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك ركنا ثالثا من أركان الحياة الآمنة المستقرة " من أصبح منكم اليوم آمنا في سربه معافا في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بما فيها" رواه الترمذي عن عبيد الله بن حفص الانصاري. كما تجلت نظرة الإسلام إلى الأمن الغذائي في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم من خلال أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإنشاء سوق خاص بالمسلمين وذلك عند قدومه المدينة ، حيث كان سوق المدينة محصورا بأيدي يهود ، مما يشكل تهديدا لأمن المسلمين الاقتصادي والغذائي، ومن ثم السياسي ، وقد عمل الإسلام على وضع الأسس النظرية لتحقيق الأمن الغذائي من خلال حث النبي صلى عليه وسلم على الزراعة وإعمار الأرض وإحياء الموات من الأرض بالزراعة " من أحيا أرضا مواتا فهي له " رواه الترمذي ، " إذا قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا تقوم حتى يغرسها فليفعل" رواه أحمد عن أنس بن مالك.
فالأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي من الغذاء شرط لازم لحفظ كرامة الأمة وصيانة وحدتها وحماية ديارها ولدرء تحكم الاعداء في مقدراتها وتدخلهم في قراراتها وسياساتها. ولأدل على ذلك صحة هذه النظرية مما نعايشه في هذا العصر، إذ نتج عن العجز في تحقيق الأمن الغذائي لدى المسلمين إلى اعتماد والبلدان الاسلامية على الدول الغربية ، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية ، في توفير غذائها الأساسي (وخاصة القمح)، والذي أدى بدوره إلى استلاب كرامة الأمة وارتهان ارادتها تحت ضغط الدول المصدرة للغذاء. ويقدر حجم الواردات إلى العالم العربي (لوحدة) من الغذاء في عام 2000 م بـ 35 مليار دولار، في الوقت الذي تقدر به المساحات المزروعة في العالم الاسلامي بنحو 400 مليون فدان، وهي تشكل 11% من مساحة الأراضي المزروعة في العالم، وفي الوقت الذي تقدر به نسبة العاملين بالزراعة في الدول النامية (ومعظمها من الدول الإسلامية ) بين 70 إلى 85% من مجموع القوى العاملة، في حين لا يتعدى هذا الرقم 4 إلى 10% في البلدان المتقدمة. () ومن المفارقات المحزنة والمفجعة أنه في الوقت الذي يشكل فيه سكان الولايات المتحدة الأمريكية 7% من سكان العالم، فإنهم ينتجون 50% من الغذاء في العالم.
وتعد سورة يوسف – عليه السلام – من أكثر السور وضوحا ودلالة في عرض نظرية الأمن الغذائي، وقد تجلى ذلك في قصة سيدنا يوسف – عليه السلام- مع عزيز مصر والرؤية التي رآها في منامه. فقد أشارت الآيات الكريمة إلى أهمية حفظالغذاء وتخزينه بطرق مناسبة تمنع فساده، وإلى أهمية الانتاج الزراعي في توفير الأمن الغذائي، وإلى ضرورة ترشيد الاستهلاك الغذائي، وعدم الاسراف به ، بما يتلاءم مع واحتياجات السكان ، وبما يمنع حدوث المجاعة ونقص الغذاء { قال تزرعون سبع سنين دأبا، فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون ، ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون ، ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون} يوسف (47-49).
وتجدر الإشارة في هذا المقام إلى السبق الحضاري والاعجاز العلمي في الآيات المذكورة، إذ اشارت إلى حفظ الغذاء في سنبله . وقد دلت الدراسات العلمية الحديثة أن الحفظ بهذه الطريقة يعد من أكثر الوسائل نجاحا ونجاعة في حفظ القمح ، حيث تعمل القشور المحيطة بحبوب القمح في السنبلة على منع مهاجمة القمح من قبل الحشرات الضارة والمؤثرات الجوية الخارجية. ()
ضبط جودة الغذاء في الإسلام
يعد الغذاء من أكثر المواد عرضة للفساد، نظرا لما يحتويه من الرطوبة والعناصر الغذائية اللازمة لنمو الأحياء الدقيقة، وذلك في حال عدم تخزينه في ظروف جيدة .
وقد احتوت بعض آيات القرآن الكريم إشارات ضمنية إلى مشكلة فساد الغذاء واحتمال تغير صفاته من لون أو طعم. فقد ورد في سورة البقرة في الآية (259) في معرض قصة صاحب القرية المهجورة {فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه} ، وفي قوله تعالى : {فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه } محمد (15) . فأسن الماء وتغير طعم اللبن كلها مؤشرات على فساد الغذاء.
وقد شدد القرآن الكريم على ضرورة إحسان اختيار الغذاء والتأكد من خلوه من الآفات عند التصدق به للفقراء والمحتاجين ، فقال تعالى : { يا ايها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما رزقناكم ومما أخرجنا لكم من الأرض، ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون } البقرة (267) . كما اشار القرآن الكريم إلى أن الغذاء المتوفر يتفاوت في مدى جودته وسلامة وصلاحيته ، ووجه إلى الاهتمام باختيار الغذاء المتناول، وذلك في قوله تعالى: { فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه وليتلطف ولا يشعرن بكم أحدا} الكهف (19، 18).
أما السنة النبوية ، فقد حفلت بالأدلة على ضرورة الحفاظ على سلامة الغذاء وجودته ومنع غشه والتغرير به ، فقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه مر ذات يوم على رجل يبيع طعاما، فوضع صلى الله عليه وسلم كفه الشريف أسفل منه فوجده مبلولا فسأل البائع عن ذلك فقال: أصابته السماء (أي المطر) ، فقال صلى الله عليه وسلم : " من غشنا فليس منا " رواه مسلم وابن ماجة والدارمي، كما نهى صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر ( وهو ما كان ظاهره يغري المشتري وباطنه مجهول) رواه الترمذي وابن ماجة واحمد والدارمي، كما نهى عن الملامسة والمنابذة (الشراء دون التعرف على السلعة المطلوب شراؤها).
وفي سيرة الخلفاء الراشدين ، كان في قصة صاحبة اللبن التي أرادت أن تخلطه بالماء خير دليل على حرص المسلمين آنذاك على عدم الغش، إذ كافأ أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ابنة صاحبة اللبن على رفضها الغش بأن زوجها من أحد أبنائه ، وكان أن خرج من نسلهما خامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه.
الصــــــــــــــــوم
صيام رمضان
الصيام عبادة قديمة فرضها الله عز وجل على أمة الإسلام كما فرضها على الأمم السابقة ، وهذا ما دلت عليه الآية الكريمة : { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون} البقرة (183).
وقد أثار الصيام انتباه ودهشة الأطباء منذ قديم الزمان، حيث ظل الصوم طريقة علاجية تتناقلها أجيال الأطباء. () ففي مرجع طب التبت الكبير " نشجوديش" في القرن السادس قبل الميلاد، خصص فصلا كاملا للصيام تحت عنوان " العلاج بالطعام" و " العلاج بالصوم" . وعرف المصريون القدماء الصوم ، وبشهادة هيرودوت (450 ق.م.) تبين أن المصريين القدماء كانوا يصومون ثلاثة أيام من كل شهر ، وكذلك الصوم الكبير لأكثر من شهر من كل عام . كما عرف اليونانيون القدماء فائدة الصيام فنادى (أبو قراط) باتباع الصوم لعلاج الكثير من الأمراض الباطنية والخارجية.
ومع إشراق شمس الإسلام على العالمين، فرض الصوم على المسلمين في السنة الثانية للهجرة، وأصبح بذلك الركن الرابع من اركان الإسلام . ويعرف الصيام في رمضان على أنه الإمساك عن الطعام والشراب والجماع وسائر المفطرات منذ طلوع الفجر حتى مغيب الشمس () تعبدا لله عز وجل وتقربا إليه. كما يشمل الصيام كف الجوارح عن جميع الآثام والمعاصي ، فهو بذلك عبادة روحية وجسدية ترتقي بالإنسان في صحته وروحه وقلبه.
وقد عرف أطباء المسلمين الصوم كعبادة وعلاج في آن واحد ، فكان ابن سينا يفضل الصوم على الدواء ويقول : " إنه الأرخص" ، ويصفه للغني والفقير ، وإبان الحملة الفرنسية في مصر في القرن 18 م ، اتبعت المستشفيات الصيام كعلاج لمرض الزهري، حيث عدوا الصيام قاتلا للجراثيم المسببة للمرض. ()
ومع إطلالة القرن العشرين ، ومع تزايد وتطور أساليب البحث العلمي، فقد حاز الصيام في رمضان على جانب كبير من اهتمام الأطباء والباحثين ، نظرا لما يتضمنه الصيام في رمضان من تغير وتحول في نمط استهلاك الغذاء خلال فترة زمنية محددة ( 29-30 يوما) ، إذ يستدعي ذلك التغير حصول تحولات في مسارات الأيض والتمثيل في الجسم، وحصول تغيرات حيوية تؤثر على صحة الإنسان وجسمه بشكل واضح وملموس. وفيما يلي عرض موجز لأهم التغيرات الايجابية التي تنجم عن الصيام في شهر مضان:
(1) تأثير الصوم على الجهاز العصبي (التأثيرات النفسية والعصبية):
إن المتأمل في فلسفة الصيام في الإسلام يجد أنه لا يعدو عن كونه عملية تربوية تتم فيها تربية النفس وتهذيبها والارتقاء بها عن الولوغ والإغراق في إشباع الشهوات والغرائز، كما أن أدبيات الصيام وأخلاقه تلزم المسلم بالابتعاد عن مظاهر الغضب والانفعال ، عملا بقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم : " إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو شاتمه فليقل : اللهم إني صائم" متفق عليه. وهذا يؤدي بالمسلم إلى الشعور بالسكينة وطمأنينة القلب وانشراح الصدر، فتخرج النفس من ضيق وشدائد الحياة اليومية ومشاكلها ومن ضغوط الحياة وتعقيداتها ، إلى سعة الصدر وانشراح النفس والرضا، وهو ما يؤدي إلى شفاء وتحسن العديد من الإضطرابات والأمراض النفسية والعصبية مثل الاكتئاب والقلق والهوس. () وفي دراسة أجراها الدكتور درادكة في الأردن عام 86-1991 ، تبين أن نسبة الإنتحار خلال شهر رمضان المبارك قد انخفضت بشكل ملحوظ، وذلك بسبب تأثير الجو الإيماني والروحاني لشهر الصيام.
(2) تأثير الصيام على الجهاز الهضمي:
في شهر رمضان تقل حركة الأمعاء وتقل إفرازات العصارة الهضمية والمعوية وغيرها، وبذلك تطول فترة راحة الجهاز الهضمي وتتحسن الكثير من الأمراض المرتبطة بالجهاز الهضمي والتي من أخطرها السمنة ، والأمراض ذات العلاقة بالضغوط النفسية والعصبية مثل تهيج القولون والانتفاخات والتهابات المعدة المزمنة. () ومن أهم الفوائد التي يجنيها الصائم هي تخفيف الوزن والتخلص من الزائد منه. إذا اشارت العديد من الدراسات العلمية الحديثة إلى أن الصوم في رمضان يؤدي إلى التخفيف من وزن الجسم، وذلك بالرغم من الممارسات الغذائية الخاطئة السائدة في شهر رمضان والتي يتوقع أن تؤدي إلى زيادة الوزن لا تخفيفه. () وهذا التخفيف بدوره يحمي الإنسان من الكثير من الأمراض المرتبطة بالسمنة والتي من أخطرها ارتفاع ضغط الدم والسكري (النوع الثاني) والنقرس وانسداد الشرايين واحتشاء عضلة القلب.
(3) تأثير الصيام على الجهاز الدوري (القلب والشرايين):
يعمل الصيام في رمضان على خفض محتوى الدم من الكوليسترول الضار ورفع محتواه من الكوليسترول النافع، الذي يعمل بدوره على إزالة الدهون المترسبة على جدران الأوعية الدموية ، وبالتالي العمل على منع حدوث انسداد الشرايين ومنع حصول احتشاء عضلة القلب. كما ان القلب يرتاح عند الصوم إذ تنخفض ضرباته إلى 60 في الدقيقة . وهذا يعني أنه يوفر مجهود 28800 دقة كل 24 ساعة. ()
ومن أهم فوائد الصيام ، خاصة بالنسبة للمدخنين ، هي قدرة الصيام على التخفيف من كمية السجائر المستهلكة خلال اليوم ، بما سيفيد القلب والشرايين والرئة ويقلل من تعرضها للمواد السامة والمسرطنة الموجودة في السجائر . كما أن التأثير النفسي والتربوي للصيام يساعد الإنسان المردخن على الإقلاع عن التدخين واتخاذ القرار الحازم بذلك ويوفر له الإرادة القوية للإقلاع عنه.
ومن الآثار الإيجابية للصيام أنه يساعد على التخفيف من ارتفاع ضغط الدم عند المرضى المصابين به، إذ إن التقليل من كمية الطعام المتناول يقلل من تناول ملح الصوديوم، والذي يعد المسبب الرئيس لارتفاع ضغط الدم . فقد أكدت دراسة حديثة أن انقاص الوزن بمقدار 5ر4 كغم كان كفيلا يخفض ضغط الدم عند مرضى ارتفاع ضغط الدم المتوسط والمنخفض. ()
(4) الصوم وعلاج الأمراض:
بالاضافة على دور الصيام في علاج والتخفيف من أمراض السمنة وما يرافقها من أمراض ثانوية مثل ارتفاع كوليسترول الدم وارتفاع الضغط ، فإن لصيام رمضان دور في علاج أمراض أخرى مزمنة وشائعة بين الناس وخاصة في مجتمعاتنا العربية مثل النقرس ومرض السكري (النوع الثاني) . وسنتناول بإيجاز دور الصيام في رمضان في التخفيف من هذا المرض:
يعد مرض السكري من أكثر الأمراض شيوعا وانتشارا في العالم، وهو مع ذلك من أخطر الأمراض والتي قد تؤدي في حال تضاعفها إلى الإضرار بحياة الإنسان وتهديدها . ومن المعلوم أن مرض السكري، وخاصة النوع الثاني أو ما يسمى بسكري الكبار ، يرتبط ارتباطا وثيقا بالغذاء التي يتناوله الإنسان من حيث الكم والنوع.
وقد عرف الصوم كعلاج لمرض السكري ، واتبع ذلك في ألمانيا وأمريكا أواخر القرن الماضي وأوائل القرن العشرين، وكان يطبق على مرضى السكري في الحالات المتوسطة ، ويتضمن الإمتناع الكامل عن تناول الطعام لمدة 2-3 أيام () . وقد وجد فيما بعد أن هذا النوع من الصيام (الصيام الطويل) يؤدي إلى آثار صحية جانبية مثل ارتفاع محتوى بعض المواد الضارة في الدم . لذلك كان صيام رمضان صياما مثالثا بمنع حدوث مثل هذه الآثار الجانبية بسبب قصر فترة (16-19) ساعة / يوم ، ولأنه يسمح فيه بتناول الطعام بعد فترة الصيام .
وقد أثبتت الدراسات العلمية الحديثة أن 30% من مرضى السكري يمكن السيطرة على مرضهم بواسطة اتباع نظام غذائي معين دون استعمال أي من العقاقير كالإبر والحبوب . لذلك كان الصوم في رمضان ذو فائدة كبرى في السيطرة على مرض السكري.
حكمة الإفطار في رمضان على التمر
عن سليمان بن عامر الضبي رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر، فإن لم يجد فليفطر على ماء فإنه طهور" رواه الترمذي وأبو داود، وعن أنس رضي الله عنه قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر قبل أن يصلي على رطبات ، فإن لم تكن رطبات فتميرات ، فإن لم تكن تميرات حسا حسوات من ماء" رواه أحمد ومسلم في صحيحه وأو داود والترمذي وابن ماجة.
وهنا تظهر الحكمة النبوية الشريفة في الإفطار على مادة سكرية كالتمر قبل أداء صلاة المغرب، لأن التمر يحتوي على نسبة عالية من السكريات التي لا تحتاج إلى عمليات هضم معقدة لتتحول إلى مواد أخرى، كما يحدث في هضم النشويات ، ولذا فالمواد السكرية تعوض الجسم عن نقص السكري في الدم أثناء الصوم وتزيل كافة الأعراض الناتجة عن نقص السكر. () ومن حكم وفوائد الإفطار على التمر:
    1.  
    2. المعدة لا ترهق بما يقدم إليها من غذاء دسم وفير، بعد أن كانت هاجعة طيلة ثماني عشرة ساعة تقريبا ، بل تبدأ عملها بالتدرج في هضم التمر السهل الامتصاص ، ثم بعد نصف ساعة يقدم إليها الإفطار المعتاد.
    3.  
    4. تناول التمر أولا يحد من جوع الصائم وإقباله على الطعام، فلا يقبل على المائدة بنهم شديد.
    5.  
    6. المعدة تستطيع هضم المواد السكرية في التمر خلال نصف ساعة ، فإذا بالدم يزود الجسم بالوقود السكري الذي يبعث في خلاياه النشاط ، فيزول الإحساس بالدوخة والتعب سريعا. ()
وبهذا الخصوص يقول الإمام ابن قيم الجوزية : " وفي الفطر على التمر تدبير حسن لأن الصوم يخلي المعدة من الغذاء فلا يجد الكبد ما يجذبه ويرسله إلى القوى العاملة، والحلو أسرع الأشياء في الوصول إلى الكبد واحبها إليه، ولا سيما إذا كان البلح رطبا فيشتد قبوله إلى الكبد فينتفع به ويرسله إلى القوى العاملة بسرعة، وتعوض الجسم عنه نقص السكر في الدم أثناء الصوم وتزيل الأعراض الناتجة عن نقص السكر في الدم أثناء الصوم مثل عدم التركيز ، وعدم القدرة على الحركة ، والشعور بالضعف والكسل وزوغان البصر" . ()
الخلاصة :
إن الإسلام وبما يمثله من رسالة عالمية شمولية جاءت لنظم حياة البشر قد احتوى على جملة من الأسس والمباديء العامة التي تنظم تعامل الإنسان مع الغذاء من حيث ترشيد النظرة إليه والدعوة إلى الاقتصاد وعدم الإسراف في تناوله والاعتدال فيه، إلى جانب الحث على ضمان جودته وسلامته وعدم الغش به.
ولم يقتصر دور الإسلام على ذلك، بل تعداه إلى تأسيس نظام صحي وغذائي يضمن تحقيق سلامة الإنسان وحفظ صحته. كما وجه إلى ضرورة تأمين احتياجات الإنسان منه، وهو ما عرف يما بعد بالأمن الغذائي. وقد تضمن صوم رمضان وما يرافقه من آداب وأحكام حفظ صحة الإنسان وإبعاده عنه السمنة وما تبعها من أمراض تهدد حياته وتعرضها للخطر.
وقد حفل القرآن الكريم والسنة النبوية بذكر العديد من الأغذية الطيبة النافعة ، بالاضافة إلى ذكر الأطعمة المحرمة الضارة التي أثبت العلم الحديث خطورتها وضررها على صحة الإنسان وسلامته.
وقد حظيت مسألة الرزق بتكفل الله تعالى بها، فالاستقرار والاطمئنان من أعظم نعم الله تعالى لا تتيسر إلا بالأمن الغذائي، وعدم تبذيره والإسراف فيه ، لأن الانحلال الخلقي يسبق الإنهيار الإقتصادي العلاقة بينهما تلازمية ، قال تعالى : { إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين}.
وللمسلم نظرة خاصة للغذاء ، فهو لا ينظر إليه كما ينظر إليه غيره من ناحية شهوانية أو دنيوية ، وإنما ينظر إليه على أساس تعبدي يعينه على عبادة ربه تعالى ، كما قال صلى الله عليه عليه وسلم " نحن قوم لا نكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع" ، فالمسلم ليس بالنهم ولا بالشهواني فالغذاء عامل مساعد على القيام بالواجبات واسداء الحقوق الى أهلها " وإن لبدنك عليك حقا".
  1. القرآن الكريم
  2. تغذية الإنسان ، حامد التكروري وخضر المصري، دار حنين للنشر والتوزيع.
  3. الغذاء والتغذية في الإسلام ، منظمة الأغذية والزراعة العالمية ، المكتب الإقليمي للشرق الأدنى ، 1999.
  4. دواء من القرآن والسنة ، تأليف حسام الدين أبو السعود، كتاب اليوم الطبي، العدد رقم 201، 1998.
  5. الصوم علاج للمرض ووقاية للأصحاء ، غازي إنعيم، مجلة بلسم الطبية ، العدد 294، كانون الأول ، 1999.
  6. لماذا يبدأ الأفطار في رمضان بالتمر؟ نائلة إنعيم ، مجلة بلسم الطبية، العدد 294، كانون الأول، 1999.
  7. الصيام وتأثيراته على الأمراض ، إعداد اللجنة العلمية في المستشفى الإسلامي، النشرة رقم (11).
  8. الصيام في ميزان البحث العلمي، حسان شمسي باشا، مجلة العربي، العدد 435 ، فبراير 1995، وزارة الثقافة والإعلام الكويتية.
  9. في ظلال القرآن ، سيد قطب ، المجلد الرابع، دار العربية للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان.
  10. فقه السنة ، سيد سابق، الجزء الثالث، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى ، 1997.
  11. المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم ، محمد فؤاد عبدالباقي، مطبعة دار الكتب
  12. المصرية، القاهرة.
  13. . موسوعة الغذاء ، الاتحاد العربي للصناعات الغذائية ، المجلد الأول.
  14. الطب النبوي ، ابن قيم الجوزية، دار الكتب العلمية ، بيروت ، لبنان.
  15. أضواء على مشكلة الغذاء بالمنطقة العربية ، دار الكتب القطرية ، وزارة الأوقاف القطرية ، 1999، (كتاب الأمة 68).
_